وهكذا ، بل معناهما واحد ، غاية الأمر أنهما يختلفان في جهة عرضية. وهذه الجهة العرضية هي ، أنه متى ما لوحظ الابتداء والانتهاء بما هو هو ، وباللحاظ الاستقلالي ، عبّر عنه بالاسم بكلمة الابتداء والانتهاء ، ومتى ما لوحظ الابتداء والانتهاء باللحاظ الآلي بما هو مرآة ، وحالة في غيره ، وطور من أطوار غيره ، حينئذ يعبّر عنه بالحرف ـ بمن ، وإلى ـ.
و (من) (والابتداء) معناهما واحد ذاتا ، ومختلف عرضا تبعا لاعتبار خصوصية اللحاظ الاستعمالي في مقام الاستعمال. فإن كان اللحاظ الاستعمالي لحاظا استقلاليا فهذا هو معنى الإسم ، وإن كان لحاظا آليا فهذا هو معنى الحرف.
إذن فالفرق نشأ من جهة طارئة عرضية وهي اللحاظ الاستعمالي ، أمّا بقطع النظر عن هذا الفارق العرضي ، فمعنى الإسم والحرف كلاهما شيء واحد ، ومعنى واحد.
الجهة الثانية : وهي إنّ هذا الفارق العرضي الذي ذكر بين معنى الإسم ومعنى الحرف ، وهي خصوصية اللحاظ الآلي ، وخصوصية اللحاظ الاستقلالي ، هاتان الخصوصيتان اللتان بهما يتميز المعنى الاسمي عن المعنى الحرفي ، هل إنهما مأخوذتان في المعنى الموضوع له ، أو إنهما قيود للوضع نفسه؟.
هل إنّ لفظة (من) موضوعة للابتداء المقيّد باللحاظ الآلي ، ولفظة (الابتداء) موضوعة للمعنى نفسه ، مقيدا باللحاظ الاستقلالي؟.
أو إن قيد اللحاظ الآلي ، وقيد اللحاظ الاستقلالي لم يؤخذا في المعنى الموضوع له ، بل كلاهما وضع لذات (الابتداء) ، ولكن العلاقة الوضعية نفسها ما بين اللفظ والمعنى قيّدت؟. فكأن الواضع قال : أضع (من) للابتداء ، لكن في الليل ، لا في النهار ، والليل هو اللحاظ الآلي ، وأضع لفظة (الابتداء) للابتداء لكن في النهار لا في الليل ، والنهار هو اللحاظ الاستقلالي. فاللحاظ