الاعتراض الثاني : (١)
هو إنه لو كان لا يوجد فرق ذاتي بين المعنى الاسمي ، والمعنى الحرفي ، بحيث يكون معناهما واحدا ، وإنما الفرق بينهما باللحاظ الآلي والاستقلالي ، للزم (٢) جواز استعمال أحدهما في موضع الآخر ، ولو بنحو المجاز ، بأن نستعمل (من) في موضع الابتداء و (إلى) في موضع الانتهاء ، وكذلك العكس.
أمّا بناء على أنّ اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي ، مأخوذا قيدا في المعنى الموضوع له ، فجواز استعمال لفظة (من) في الابتداء الاستقلالي ، ولفظة (الابتداء) في الابتداء الآلي ، لا يخلو من تصرف في المعنى الموضوع له ، فليكن هذا التصرف من باب المجاز ، فيكون استعمالا فيما هو قريب من المعنى الموضوع له لأن (من) وإن كانت موضوعة للابتداء الآلي لكن بالتالي الابتداء الاستقلالي قريب من الابتداء الآلي ، فكلاهما يشتركان في أصل الابتداء ، فلما ذا لا يجوز الاستعمال مجازا؟!.
وأمّا بناء على مسلك صاحب (الكفاية) من أنّ اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي ، مأخوذان قيدا في الوضع نفسه لا في المعنى الموضوع له ، فهنا المجاز إذن أصح وأوضح ، لأنه لا يوجد أي تصرف في المعنى الموضوع له. فلفظة (من) حينما نستعملها في مورد الإسم فقد استعملناها في شخص ما وضع له بلا تصرف ، إذن فليعامل مع هذا معاملة المجاز ، إذ ليس استعمال اللفظ في ما وضع له نفسه ، لكن مع التأويل أسوأ من استعمال اللفظ في غير ذات ما وضع له. فإذا صح استعمال لفظة (أسد) في الرجل الشجاع مجازا ، مع أن الرجل الشجاع مباين مع المعنى الموضوع له ، فكيف لا يصح في المقام استعمال لفظة (من) في معنى الابتداء مع أنه لا تباين ذاتي فيما بينهما؟.
__________________
(١) بدائع الأفكار / الآملي : ١ / ٥٤.
(٢) فوائد الأصول : ١ / ١٨ محاضرات فياض : ١ / ٥٧.