أيضا ، لأن الدلالة المجازية إنما هي من ترشحات وتفرعات الدلالة على المعنى الحقيقي ، فهي ساقطة لأنها فرع في ذاك الزمان نفسه.
وهذا يشبه تماما ما إذا فرضنا أن كلمة (أسد) نسخ وضعها للحيوان المفترس ، ونقلت عنه ، فلا يبقى لها دلالة مجازية على الرجل الشجاع ، لأنها من ترشحات دلالتها على الحيوان المفترس ، ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ الواضع بعد أن قيّد العلاقة الوضعية باللحاظ الآلي. حينئذ في حالة اللحاظ الاستقلالي لا وضع ل (من) أصلا ، حالها حال كلمة (أسد) بعد نسخ وضعها للحيوان المفترس. فكما لا يصح استعمال كلمة (أسد) في الرجل الشجاع بعد النسخ ، كذلك لا يصح استعمال كلمة (من) في مكان الإسم ، لأن في هذه الحالة ليس لها دلالة على معناها الحقيقي ، حتى تدل على معنى آخر ، أو حتى يصح استعمالها مجازا ، ولو بشكل من الأشكال. إذن فهذا الاعتراض غير تام.
الاعتراض الثالث (١) :
وهذا الاعتراض للسيد الأستاذ ـ دام ظله ـ ، هو أن المعنى الحرفي لو كان تمام الملاك في كونه معنى حرفيا بملاحظته باللحاظ الآلي الفنائي ، للزم أن تكون المعاني الاسمية أيضا معاني حرفية ، لأن كثيرا من المعاني الاسمية المأخوذة في موضوعات القضايا المنظور فيها الخارج ، إنما تلحظ بما هي فانية في معنونها ، ووجودها الخارجي. فمثلا : في قولنا ـ النار محرقة ـ هنا مفهوم النار مفهوم اسمي ، مع أنه لوحظ بما هو مرآة لمعنونه الخارجي ، وبما هو فان في هذا المعنون ، فلو كان تمام امتياز المعنى الحرفي عن المعنى الاسمي باللحاظ الآلي والفنائي ، للزم الالتزام بأن مفهوم النار في هذه القضية معنى حرفي ، لأنه لوحظ باللحاظ الفنائي.
والحال إنه لا إشكال في أن مفهوم النار مفهوم اسمي حتى في قولنا
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه ـ فياض : ج ١ / ص ٥٨.