بما هو مندك في معنى الإسم ـ في معنى السير والبصرة ـ فيقال بأن الابتداء تارة يلحظ بما هو شيء في نفسه ، فيعبّر عنه بكلمة الابتداء ، وأخرى يلحظ بما هو طور من أطوار معنى آخر ، بحيث بهذا اللحاظ لا يرى إلّا صاحب الطور بما هو متطور بهذا الطور ، وهذا معناه اندكاك المعنى الحرفي في المعنى الاسمي. تماما كما تقدم في مفهوم البياض ، تارة الذهن يلحظ البياض في نفسه ، وأخرى يلحظه بما هو مندك في الأبيض ، بحيث لا يرى إلّا الأبيض. وهذا معنى آخر للفناء يختلف عن المعنى الأول ، لأن هذا بابه باب اندكاك معنى في معنى ، وفناء معنى في معنى ، وذاك فناء العنوان في المعنون.
والآن بعد ما اتضح كلا معنيي الفناء نقول : بأن صاحب الكفاية (قدسسره) مقصوده المعنى الثاني للفناء يعني ـ فناء مفهوم في مفهوم ـ فناء المفهوم الحرفي في المفهوم الاسمي ، لا فناء المفهوم الحرفي في واقع المفهوم الحرفي ، حتى يقال هذا بعينه موجود في باب الأسماء لأن في باب الأسماء أيضا مفهوم النار فان في واقع النار ، ونقول : إنّ مفهوم (من) يفنى في مفهوم ـ سير ـ وهذا هو الذي يميز المعنى الحرفي عن المعنى الاسمي بحسب دعوى صاحب (الكفاية) ، وحينئذ فلا يرد عليه هذا النقص.
أمّا كون هذا هو مراد صاحب (الكفاية) ، فهذا واضح في عبارته ، لأنه يقول بأن المعنى الحرفي حالة في غيره ، ويقصد من الغير هنا المعنى الاسمي ، لا المعنون الخارجي لنفس الابتداء ، ولهذا يشبّه في قوله ـ الحرف مع الإسم في الذهن كالعرض مع الجوهر في الخارج ـ فكما أن العرض مع الجوهر في الخارج لا يرى شيئا بحياله وفي قباله ، كذلك المعنى الحرفي لا يرى في الذهن شيئا مفهوما في مقابل المفهوم الاسمي وحياله.
وممّا يؤيد ذلك أنه (قدسسره) في تضاعيف أصوله فرّع على مبناه عدم إمكان الإطلاق والتقييد (١) في المعنى الحرفي ، كما يظهر في بحث مفهوم
__________________
(١) حقائق الأصول : ١ / ٤٥١.