للوضع متناهية وفي قبالها ألفاظ متناهية بقدرها ، فلا حاجة إليه.
وهذا الوجه غير تام ، لأن الاشتراك كما قد يحصل بوضع تفصيلي بعدد المعاني ، كذلك قد يحصل بوضع واحد بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص ، فلو فرضنا أن عدد المعاني اللّامتناهية عشرة ، والألفاظ خمسة ، ونريد أن نستوعب هذه العشرة بهذه الخمسة ، وفي هذا المقام ، لا ضرورة لإصدار عشرة أوضاع مستقلة بعدد المعاني اللامتناهية ، إذ بالإمكان أن نصدر عددا أقل من العشرة ، ومع ذلك نستوعب العشرة ، ويحصل الاشتراك ، وذلك باستخدام طريقة الوضع العام والموضوع له الخاص ، فمثلا خمسة من هذه المعاني العشرة ننتزع منها جامعا ، ثم نضع اللفظ لأفراد هذا الجامع ، فقد أصبح لهذا اللفظ خمسة معاني بعملية وضعية واحدة ، وأصبح مشتركا بين هذه الأفراد الخمسة من المعاني ، فلم يلزم صدور عشرة أوضاع من الواضع بل أقل من ذلك ، وهذا نقوله مهما كبر عدد عشرة إلى أن يصل إلى غير المتناهي حقيقة ، فبالإمكان أخذ كميات من هذه المعاني اللّامتناهية ، وننتزع منها جامعا ونضع اللفظ بإزاء أفراده على وجه الإجمال بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص.
إذن فلا يلزم أن يصدر من الإنسان المتناهي أوضاع غير متناهية لاستيعاب المعاني اللّامتناهية ، بل يكفي في المقام صدور أوضاع متناهية على طريقة الوضع العام والموضوع له الخاص.
الوجه الثاني :
ما أفاده المحقق الخراساني (١) أيضا وحاصله ، أنه لو فرض أن الأوضاع اللّامتناهية يعقل صدورها ، بأن كان الواضع هو الله تعالى ، لكن المستعمل ليس هو الله ، وإنما هو الإنسان إشباعا لحاجته الاستعمالية ، ومن المعلوم أن الإنسان المتناهي يستحيل أن يكون له حاجات استعمالية غير متناهية ، وإلّا لزم أيضا صدور غير المتناهي من المتناهي وهو محال.
__________________
(١) نفس المصدر ج ١ ص ٨٨.