وهذا الوجه أيضا غير تام ، لأن الحاجة الاستعمالية بوجودها الفعلي ، وإن كانت متناهية حيث لا يعقل أن تكون أكبر من الإنسان ، إلّا أنها بوجودها التبادلي هي أوسع من وجودها الفعلي ، ففرق بين المعاني التي قد احتاج إليها الإنسان فعلا ، وبين ما يمكن أن يحتاجه منها ولو بدلا ، فمثلا لو فرض أن المعاني الغير متناهية هي عشرة ، فنقول لا يمكن أن يحتاج الإنسان فعلا عشرة حاجات استعمالية ، لأن رقم عشرة ، غير متناه بحسب الغرض ، وإنما أقصى ما يمكن أن يحتاجه هو خمسة مثلا ، لكن هذه الخمسة بدلية ، يعني بالإمكان أن يحتاج إلى هذه الخمسة من العشرة ، وبالإمكان أن يحتاج إلى تلك الخمسة من العشرة ، وهكذا ، وبما أن ملاك الوضع هو إمكان الاحتياج ولو بدلا ، لا الاحتياج الفعلي ، وإمكان الاحتياج موجود في تمام العشرة التي هي كمية غير متناهية ، إذن فلا بد من الوضع للجميع.
إذن فما أفاده (قده) من أن دائرة الحاجات الاستعمالية متناهية غير تام ، لأن البرهان إنما يثبت أن دائرة فعلية الحاجة متناهية ، وأمّا دائرة إمكان الحاجة على سبيل البدل فهي أوسع من دائرة الحاجة الفعلية ، فلعلّها تكون غير متناهية.
نعم لو أبدل برهان استحالة صدور غير المتناهي من المتناهي ، بدعوى أن الوجدان شاهد خارجا على أن دائرة إمكان الحاجة ولو بدلا غير متناهية ، لكان هذا مطلبا صحيحا ، لكن حيث أن الوجه بيّن بعنوان الاستحالة كان لزاما أن يرد بمسألة برهانية.
الوجه الثالث :
ما ذكره المحقق الخراساني (١) أيضا وهو : دعوى أن المعاني متناهية ، لأنه ليس المراد بالمعاني الجزئيات ، كزيد وعمر ، بل المراد بها الكليات ، والكليات متناهية ، إذن فالألفاظ المتناهية بإزائها معان متناهية.
وهذا الوجه إذا كان المقصود منه الصياغة البرهانية ، فهو غير مقبول ،
__________________
(١) حقائق الأصول / الحكيم ج ١ ص ٨٨.