لأن المعاني على نحوين ، بسائط من قبيل الوحدة والشيئية والوجود والعدم ، ومركبات من قبيل الإنسان والهواء ، وهذه المركبات من المعاني أيضا على نحوين ، مركبات حقيقية ، وهي المتركبة من جنس وفصل كالحيوان والإنسان ، ومركبات اعتبارية من قبيل دار وسوق ، فإذا فرضنا أن المركبات الاعتبارية داخلة في المعاني ، فمن الممكن جدا تصوير مركبات اعتبارية إلى غير النهاية ، إذ يمكن استخراج معان مركبة من المعاني الكلية ، فكل اثنين اثنين من المعاني الكلية يصير مركبا اعتباريا ، وكل ثلاثة ثلاثة منها يصير مركبا اعتباريا ، وهكذا إلى غير النهاية ، إذن فالمعاني مهما اختصرنا فيها وعلى أي عدد اقتصرنا ، فبالإمكان استخراج معان غير متناهية منها بلحاظ المركبات الاعتبارية في المعاني.
نعم لو رجعنا إلى الوجدان لقلنا إنّ هذه المعاني وإن كانت غير متناهية فهي خارجة عن محل ابتلاء الإنسان ، لأننا ندرك وجدانا أن الإنسان لا يبتلي بالحاجة إلى التعبير عن هذه المعاني اللامتناهية.
الوجه الرابع :
ما ذكره السيد الأستاذ (١) ، من أن الألفاظ غير متناهية ، كما هو الحال في المعاني ، لأن الألفاظ وإن كانت ثمانية وعشرين حرفا ، لكن بالتركيب يحصل عدد غير متناه تقريبا ، لأن كل حرف إما أن يكون مفتوحا أو مضموما أو مكسورا ، وعلى هذه التقادير ، إمّا أن يكون في أول الكلمة أو في وسطها أو في أخرها ، وعلى هذه التقادير كلها إما أن تكون الكلمة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية ، إلى آخر هذه التقسيمات التي تؤدي إلى حصول كلمات بعدد اللامتناهي ، إذن فقد تطابقت المعاني مع الألفاظ باللّامتناهي.
وهذا الوجه ، إذا كان المقصود منه هو الصياغة البرهانية فهو أيضا غير تام ، وأقل ما يقال في توضيح عدم تماميته ، أن أي عدد نفرضه من الكلمات فهو بنفسه معنى من المعاني ، فإن كلمة «أب» هي بنفسها معنى من المعاني
__________________
(١) محاضرات فياض / ج ١ ص ١٩٩ ـ ٢٠٠.