منشأ للعقاب ، فهذا بنفسه قرينة متصلة على التخصيص ، فالأمر دائر ، بين التخصّص وبين التخصيص مع القرينة المتصلة ، فلو بني على أصالة عدم التخصيص في موارد الدوران بين التخصيص والتخصّص ، لا ينطبق هذا المبنى على محل الكلام.
وعلى هذا ، فالاستدلال بمثل هذه الآية في غير محله وبحسب الحقيقة ، لم يتحقق إشكال معتد به في أصل دلالة الأمر على الوجوب ، ولم يستشكل أيّ فقيه عادة في الفقه في أنه لو ورد في لسان آية أو رواية لفظ الأمر فإنه يفتي بالوجوب طبقا للتبادر العرفي ، فإن المتبادر عرفا والمتفاهم عقلائيا من كلمة الأمر ، هو الوجوب ، ولهذا لو أمر المولى المفروغ عن مولويته ، وتخلّف العبد عن الامتثال ، فيستحق العقاب والعتاب ، وليس ذلك إلّا لمفروغية العرف عن انفهام الوجوب ، والإلزام في مثل هذا الخطاب ، فأصل دلالة لفظ الأمر على الوجوب ليس محلا للإشكال أصلا ، وليس بحاجة إلى الاستدلال ، وإنما يثبت بالتبادر والوجدان العرفي ، أضف إلى ذلك أن أصل دلالة صيغة الأمر على الوجوب أيضا أمر مفروغ عنه فقهيا وعرفيا ويكفيه التبادر والوجدان العرفي.
المقام الثاني
بعد الفراغ عن أصل دلالة كلمة الأمر وصيغة الأمر على الوجوب ، يقع الكلام في أنه ما هو ملاك دلالة الأمر على الوجوب مادة وصيغة ، وفي هذا المقام يوجد ثلاثة مسالك.
المسلك الأول :
الوضع ، بمعنى أن الأمر موضوع للدلالة على حصة خاصة من الطلب ، وهو الطلب الوجوبي ، وهذا المسلك موقوف على إبطال المسلكين الأخيرين ، لأن الدليل على الوضع ، إنما هو الوجدان العرفي ، لأن العقلاء والعرف يرون أن المولى إذا أمر عبده وعصى ، صحّت معاقبته وإدانته ، وهذا يكشف عن الوضع إذا بطل المسلكان الأخيران ، وأما إذا ثبت أحد هذين المسلكين ،