فإذا تمّت هذه الأمور الثلاثة ، يصح هذا التقريب الثاني لإثبات النفسية ، وإذا لم تتم فلا يصح هذا التقريب.
التقريب الثالث :
لإثبات النفسية ، هو إجراء الإطلاق في نفس دليل «توضأ» ، بنحو يثبت النفسية ابتداء بالدلالة المطابقية ، لا بالدلالة الالتزامية كما هو الحال في التقريبين السابقين ، وذلك بأن يقال ، أن النفسية والغيرية خصوصيتان في الوجوب ، وإحداهما وجودية ، وهي خصوصية الغيرية ، والأخرى عدمية ، وهي خصوصية النفسية ، لأن الوجوب النفسي هو الوجوب الذي لم ينشأ من وجوب آخر ، إذن فخصوصيته عدميّة ، والوجوب الغيري هو الوجوب الذي ينشأ من وجوب آخر ، إذن فخصوصيته وجودية.
وكلما دار أمر مراد المتكلم العرفي ، في أن يكون متخصصا بخصوصية وجودية ، أو خصوصية عدمية ، وكان اللفظ على حد واحد بالنسبة إلى كل من هاتين الخصوصيتين ، يتعين حمل المراد على الخصوصية العدمية ، ويكون عدم بيان الخصوصية الوجودية بنفسه بيانا للخصوصية العدمية ، لأنّ الخصوصية العدمية أخف مئونة في مقام البيان من الخصوصية الوجودية ، كما هو الحال في الإطلاق والتقييد ، فلو قال «أحلّ الله البيع» فإن اسم الجنس موضوع لذات الطبيعة ، فإذا تردّد أمر البيع ، بين أن يكون مطلقا أو مقيدا ، يثبت الإطلاق ، ببيان أن الإطلاق أمر عدمي ، والتقييد أمر وجودي ، والعرف يرى أن الخصوصية الوجودية كلفة زائدة ، فيكون عدم بيان الخصوصية الوجودية ، وهو الإطلاق ، بيانا للخصوصية العدميّة ، وهي التقييد.
وفي المقام ، الوجوب ، أمره دائر أيضا ، بين أن يكون متخصصا بخصوصية وجودية ، وهي القيدية ، أو بخصوصية عدمية ، وهي النفسية ، وحينئذ يقال ، بأن الخصوصية الوجودية أشدّ مئونة عند العرف من الخصوصية