وفي النموذج الثاني ، مقتضى القاعدة عدم التعدد ، كما هو الحال في النواهي بالنسبة إلى متعلقاتها ، فإنّ النهي كالأمر لا يقتضي التعدد بلحاظ المتعلق ، فلو قال ، «لا تكذب» فإنّ هذا النهي لا يتكفل إلّا زجرا واحدا وتحريما واحدا ، ولكن امتثال هذا التحريم الواحد يكون باجتناب تمام أفراده حتى تنعدم طبيعته ، فلو أتى بفرد واحد ، يسقط هذا التحريم بالعصيان ، ولا موجب لافتراض تحريمات متعددة بعدد الأفراد خارجا ، ولكن هناك قرينة عرفيّة ، مفادها أن المولى لاحظ التعدد في جانب المتعلّق ، فيصبح النهي انحلاليا متعددا بلحاظ متعلّقه أيضا ، وهذه القرينة ، واحد ، وانعدامها لا يكفي فيه إلّا انعدام تمام الأفراد ، إذ أنّ هذا المطلب خلف التقابل بين الوجود والعدم. ولنبدأ أولا بتوضيح الاعتراض ثم يليه توضيح الجواب.
وتوضيح هذا الاعتراض ، يكفيه إجمالا أن نشير إلى البحث الفلسفي الذي ادّعوا أن هذا المطلب مبني عليه.
وشرح هذا البحث الفلسفي ، هو أنه قد وقع الكلام في وجود الكلي الطبيعي في الخارج ، وعدم وجوده ، وقد عقدوا في هذا البحث مسألتين :
المسألة الأولى : هي أنه وقع الكلام ، في أنّ الكلي الطبيعي ، هل هو موجود في الخارج ، أو هو أمر ذهني غير موجود في الخارج؟
وقد ذهب مشهور الحكماء المتقدمين إلى وجود الكلي الطبيعي في الخارج ، واستدلوا على ذلك.
بأن الأفراد ، كزيد وعمرو ، موجودة في الخارج يقينا ، والإنسان مثلا ، الذي هو الكلي الطبيعي ، هو عين هذه الأفراد ، ولهذا يصح أن يحمل عليها بالحمل الشائع الذي ملاكه الهوهويّة والعينيّة ، فيقال ، زيد إنسان ، إذن فالكلي الطبيعي موجود في الخارج بوجود هذا الفرد في الخارج ، لأنّ الكلي الطبيعي هو عين الفرد ، وما عينه موجودة في الخارج ، موجود في الخارج.
وبتعبير آخر ، أنّ الفرد مشتمل على الكلي الطبيعي مع خصوصية