يكون هناك وجوب بعد فرض كلا الجزءين طلب الفعل والنهي عن الترك ، وهذا كاشف عن أن حقيقة الوجوب ليست بهذين الأمرين الوجوديين ، لإمكان انحفاظ هذين الأمرين الوجوديين ، ومع هذا لا وجوب ، وإنما حقيقة الوجوب هي الطلب مع عدم الترخيص في الترك لا مع النهي عن الترك ، الذي هو أمر وجودي ، بل مع عدم الترخيص بالترك الذي هو أمر عدمي ، فإذا ثبت أن الوجوب والاستحباب بينهما قدر مشترك ، وهو الطلب ، والاستحباب يمتاز بأمر وجودي وهو الترخيص في المخالفة ، والوجوب يمتاز بأمر عدمي وهو عدم الترخيص بالترك ، فحينئذ ، يمكن أن يقال ، بأن مرام المولى دائر بين أن يكون مقيدا بخصوصية وجودية أو بخصوصية عدمية ، فإن نصب المولى قرينة على الخصوصية الوجودية أخذ بها ، وإذا لم ينصب قرينة على ذلك ، فنفس عدم نصب قرينة على الخصوصية الوجودية ، هو بنفسه قرينة على الخصوصية العدمية ، كما هو الحال في باب المطلق والمقيّد ، ففي هذا الباب يمتاز المقيد عن المطلق بخصوصية وجودية وهي التقييد ، ويمتاز المطلق على المقيد بخصوصية عدمية وهي عدم التقييد ، ولهذا حينما يدور الأمر بين الخصوصية الوجودية والخصوصية العدمية ، يرى العرف أن المحتاج إلى البيان إنما هو الخصوصية الوجودية ، فعدم البيان لهذه الخصوصية هو بيان للعدم ، وهذا هو معنى الإطلاق ومقدمات الحكمة ، فإذا دار الأمر بين الخصوصية الوجودية والخصوصية العدمية ، يرى العرف أن الخصوصية العدمية أخف مئونة ، ومقتضى الإطلاق هو إثبات الخصوصية الأخف مئونة ويتعيّن الوجوب.
هذان هما البيانان اللذان يمكن بهما إثبات دلالة الأمر على الوجوب ، من باب الإطلاق ومقدمات الحكمة ، والبيان الأول ، هو ما استقربه المحقق العراقي (١) ، والبيان الثاني هو ما استقربناه ، ولكن هل يمكن الاكتفاء بهذين البيانين لدلالة الأمر على الوجوب بلا الالتزام بالدلالة الوضعية وبالوضع؟.
__________________
(١) بدائع الأفكار ـ الآملي ج ١ ص ١٩٧.