وحيث أن هذا المبنى ساقط ، كما حقّق في محله من علم الكلام والفلسفة ، وبرهن على أن حاجة المعلول إلى العلة ، ملاكها كما يثبت حدوثا يثبت بقاء ، إذن فلا يمكن فرض امتناع المولى عن الفاعلية أصلا ، لبراهين احتياج المعلول إلى العلة حدوثا وبقاء ، وليس هنا موضع البحث ، وإقامة البراهين على احتياج المعلول إلى العلة حدوثا وبقاء.
الاحتمال الثاني :
هذا الاحتمال عكس الاحتمال الأول تماما ، فيقال بأن الفعل هو فعل المولى ، والإنسان منسلخ عن الفاعلية أصلا ، وإنما هو مجرد محل قابل للفعل ، من قبيل الخشب ، فإنه مجرد محل قابل لفعل النجار ، وكذلك الإنسان مجرد قابل للفعل وإنما الفعل ، هو فعل المولى محضا ، وليس لإرادة الإنسان ومبادئها أي دخل فاعلي وأي تأثير في وجود هذا الفعل ، وإنما هي الصدفة تتكرر فيقترن صدور الفعل من المولى مع إرادة الإنسان دون عليّة وسببيّة.
وهذا الاحتمال ينبغي أن يكون مقابلا بالوجدان المدّعى في كلماتهم ، الذي قالوا فيه ، أنه بالضرورة هناك فرق بين حركة المرتعش وحركة غير المرتعش ، وبحسب الحقيقة ، أن هذا المطلب سار في كل العلل والمعلولات ، وليس فقط في مسألة الإرادة والاختيار ، فقد يقال بأن النار ليست علة للإحراق أصلا ، وإنما الإحراق كان بتدخل مباشر من المولى ، وصدفة ، الإحراق يكون دائما مقترنا بالنار ، فتحوّل هذا الدار إلى رماد أمر نتج عن تدخل رباني ، واقترانه بالنار كان صدفة ، إذ ليس للنار أي دخل في نفس الإحراق ، وهكذا الحال في كل عالم الأسباب والمسببات ، والوجدان الذي يستعمل في سائر الموارد لنفي هذه الشبهة ، يستعمل أيضا في المقام لنفي هذه الشبهة ، وهو وجدان مرجعه إلى الاستقراء (١) ، وقد أوضحنا ذلك في الأسس المنطقية
__________________
(١) الأسس المنطقية للاستقراء ـ الشهيد الصدر ص ١٨٥.