الحقيقة ، معقودة لأجل دفع شبهة ، نشأت فلسفيا ، وأريد بها إقامة البرهان على إبطال الاختيار ، حتى بعد الاعتراف ، بأن الفعل هو فعل الإنسان مثلا.
وهذه الشبهة مركبة من مقدمتين :
المقدمة الأولى : هي أن الاختيار ، ينافي مع الضرورة ، لأن الضرورة تساوق الاضطرار ، فكل فعل كان صدوره ضروريا بحيث أنه لا بدّ من صدوره ، فلا يمكن عدم صدوره ، فهذه الضرورة ، معناها الاضطرار المنافي للاختيار ، من قبيل حركة المرتعش الذي يكون صدورها ضروريا من المرتعش ، حيث لا يمكن أن لا تصدر منه.
المقدمة الثانية : هي أن صدور الفعل من الإنسان بالضرورة ، بمعنى أن الفعل لا يكون صادرا من الإنسان إلّا إذا بلغ حد الضرورة ، فإذا لم يبلغ حدا ، بحيث يكون معه صدور الفعل ضروريا وعدمه ممتنعا لا يصدر الفعل. وهذه الدعوى مستفادة من قوانين العلية ، التي تحكم عالم الإنسان ، فإنهم قالوا ، بأن عالم الإنسان محكوم لقوانين العلية ، وقوانين العلية تقول ، أن لكل ممكن علة (١) ، وأن المعلول أو الممكن لا يمكن أن يوجد ألّا إذا وجدت علته ، ومع وجود علته يكون وجوده ضروريا (٢) وهو المسمّى بالوجوب بالغير ، ويكون عدمه ممتنعا (٣) وهو المسمّى بالامتناع بالغير ، وحيث أن فعل الإنسان ، مصداق من مصاديق عالم الإمكان فهو أمر ممكن ، إذن فهو بحاجة إلى علة ، ومع وجود العلة ، يكون وجوده ضروريا ، ومع عدم العلة يكون عدمه ضروريا (٤) ، إذن فهو في الحالتين ضروري الوقوع ، أو ضروري اللّاوقوع.
ويثبت بمجموع هاتين المقدمتين أن الإنسان غير مختار في أفعاله ، لأن
__________________
(١) النجاة ـ الشيخ الرئيس ص ٢١.
(٢) رسائل صدر المتألهين رسالة في سريان الوجود ص ١٤٤ ـ ١٤٥.
(٣) رسائل صدر المتألهين الشيرازي ص ١١ ـ ١٢.
(٤) الأشعري ـ مقالات الإسلاميين ج ١ ص ٢٢٨.