إذ أن الفرضيتين إمّا أن تصحّا معا ، وأمّا أن تبطلا معا ، وقد ذكر الأصفهاني في توجيه ذلك ، ، بأنّنا إن قلنا باستحالة انفكاك الواجب عن الوجوب ، وباستحالة تأخر زمان الواجب عن الوجوب ، إذن فكلتا الفرضيتين غير معقولة ، لأنّ معنى هذا ، استحالة الواجب المعلّق ، ونفس النكتة الموجبة لاستحالة الواجب المعلّق هي موجبة لاستحالة الواجب المشروط بالشرط المتأخر ، وأمّا إذا قلنا بإمكان انفكاك الواجب عن الوجوب ، فالمعلّق والمشروط كلاهما ممكن.
فالنتيجة هي : إنّ إمكان المشروط يحتاج إلى إمكان المعلّق ، وإلّا فبدون إمكان المعلّق لا يكون المشروط ممكنا.
وهذا الكلام من المحقق الأصفهاني كأنه ناظر إلى بعض براهين استحالة الواجب المعلّق ، لا إلى تمام براهين استحالة المعلّق ، فإن المعلّق إذا قلنا باستحالته ، باعتبار البرهان الثاني الذي هو برهان استحالة انفكاك المراد عن الإرادة ، وانفكاك زمن الواجب عن زمان الوجوب ، فيصح أن هذا البرهان كما هو قائم على استحالة المعلّق ، فهو قائم على استحالة المشروط بالشرط المتأخر : إذ إنّه في كل منهما يلزم انفكاك الواجب عن الوجوب ، والمراد عن الإرادة. وأمّا إذا كان برهان استحالة المعلّق شيئا آخر ، من قبيل البرهان الأول القائل بلزوم التكليف بغير المقدور ، فمن الواضح ، أن لزوم التكليف بغير المقدور ، إنما ينشأ في المعلّق من ناحية أن القيد المعلّق عليه لم يؤخذ قيدا في الوجوب ، وهذا غير موجود في الواجب المشروط ، فإنه في الفرضية الثانية قد أخذ القيد المعلّق عليه ، «كطلوع الفجر» قيدا للوجوب ، فلا يلزم توهم التكليف بغير الاختياري.
إذن فبعض براهين استحالة المعلّق تبرهن على استحالة المشروط بالشرط المتأخر ، ولكن بعضها الآخر لا يبرهن على ذلك ، بل تختص بالمعلّق ، ولا تسري إلى المشروط. بل الأمر كما قلنا ، فإنّ الفرضية الثانية لا تحتاج إلّا إلى الأمر الثالث من الأمور الثلاثة ، بينما المعلّق يحتاج إلى الأمور الثلاثة مجتمعة.