والمفروض هنا أن المقيّد المنفصل لم يصل لا هنا ولا هناك ، إلّا بعلم إجمالي نسبته إلى كلا الطرفين على حد سواء.
إذن فلا يتعيّن أحدهما للسقوط والآخر للثبوت ، بل في كل منهما مقتضي الثبوت ، وإنما المانع عن ثبوتهما معا هو العلم الإجمالي.
التقريب الثالث : هو أن تقديم أقوى الدليلين على أضعف الدليلين ، إنما هو باعتبار كون أقوى الدليلين قرينة على المراد من أضعف الدليلين ، فالخاص قرينة على العام ، والمقيّد قرينة على المطلق ، والقرينة مرجعها عرفا إلى كون اللفظ متعرضا بمدلوله لما يكون صالحا لتفسير مدلول الدليل الآخر.
فإنه بذلك حينئذ يقال : إنّ الخاص قرينة على العام ، لأنّ الخاص بمدلوله ينفي العموم ، ونفيه للعموم قرينة على أنّ المراد بالعام ليس العموم ، بل هو الخصوص.
وأمّا إذا فرضنا أن كلا منهما ليس لمدلوله تعرّض إلى مدلول الآخر ، غاية الأمر ، علم من الخارج صدفة ، أن أحد المدلولين غير مطابق للواقع ، إذن فلا يبقى مجال لأن يكون أحدهما قرينة على الآخر ، فقوله : «لا يضر الصائم ما صنع» ، لا يكون قرينة على أن المراد من قوله : «الحائض لا تقضي صلاتها» ، غير صلاة الآيات ، إذ لا معنى لهذه القرينيّة ، نعم لو ورد «أن الحائض تقضي صلاة الآيات» ، فهذا يصير قرينة ، لأنه بمدلوله يتعرض لنفي مدلول ذاك ، فالقرينيّة دائما فرع أن يكون أحد الدليلين يتعرض بمدلوله لنفي مدلول الدليل الآخر ، وهذا غير موجود في موارد التعارض بالعرض.
ولعلّ هذا التقريب ، وإن كان هو أحسن هذه التقريبات ، ولكنه غير تام.
وتوضيحه هو : إنّه إن أريد بهذا البيان ، أنّ القرينيّة فرع أن يكون أحد الدليلين متعرضا بمدلوله لحال مدلول الدليل الآخر بالدلالة المطابقية فقط ، بحيث لا تكفي الدلالة الالتزامية العرفية ، فهذا أول الكلام ، فإنّ القرينيّة كما