وبهذا يلزم أن تكون كل الواجبات التي نسميها نفسية ، ونرتب عليها أثار الواجب النفسي ، أن تكون غيرية ، اللهمّ إلا ذلك الواجب النفسي الذي تكون مصلحته ذاتية له ، بحيث يكون ذاته هو بعينه المصلحة ، لا أن المصلحة شيء مترتب عليه من قبيل «المعرفة بالله تعالى» فإنها مضافا إلى ترتب أعظم المصالح عليها ، فإنها هي بذاتها أعظم مصلحة يمكن افتراضها للإنسان ، لأنه بها كمال الإنسان ، فهذه المعرفة تكون واجبا نفسيا لأنّ مصلحتها ذات الواجب وعين الواجب ، بينما تكون الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، ونحو ذلك ، واجبات غيرية.
والجواب عن هذا الإشكال ، هو : إنّ مناط الواجب النفسي والواجب الغيري ، لو كان هو عالم الملاك ، أو عالم الشوق والإرادة ، بمعنى أن الواجب النفسي ما كان ملاكه لا لملاك آخر ، وشوقه لا لشوق آخر ، والواجب الغيري ما كان ملاكه لملاك آخر ، أو ما كان شوقه لشوق آخر ، لو كان هكذا ، إذن لتمّ هذا الإشكال ، لأن ملاك الصلاة إنما هو لملاك آخر ، والشوق إلى الصلاة ، إنما هو بالشوق للفوائد المترتبة على الصلاة من حيث التصاعد في مراتب القرب من الله تعالى ، فتكون الصلاة واجبا غيريا بلحاظ عالم الملاك ، وبلحاظ عالم الشوق والإرادة ، ويكون الإشكال لازما.
ولكن الغيريّة والنفسيّة لا تضافان ، بحسب الحقيقة ، بلحاظ عالم الملاك ولا بلحاظ عالم الشوق والإرادة ، بل بلحاظ عالم تحميل المسئولية والإلقاء في العهدة ، فإنّ المولى بعد أن يحرز الملاك ويشتاق ، يحمّل مسئولية القضيّة على العبد ، ويجعلها في عهدته.
وهذه المسئولية ، وهذا التحميل ، وإدخال العمل بالعهدة من قبل المولى بلحاظ هذه المرتبة ، يقاس ويلاحظ الواجب النفسي والواجب الغيري ، لأنّ الواجب النفسي نقصد به ذاك الواجب الذي يعاقب على تركه ، والواجب الغيري هو ذاك الذي لا يعاقب على تركه بما هو هو ، هذا هو حاق المطلب.