واقع الاستطاعة بوجوده الخارجي محدثا شيئا في نفس المولى؟
وبهذا البيان يتضح : إنّ المجعول ليس له ثبوت حقيقة وراء عالم الجعل ، وإنما هذا مجرد نظر تصوري للجاعل ، فإن الجاعل حينما فرض مستطيعا ، وحكم عليه بالوجوب ، فكأنه خيّل له بنظره التصوري كأن هذا الوجوب قذفه ورماه على المستطيع الذي لم يوجد بعد ، فكأنه رمى الوجوب على عالم آخر غير عالم نفسه ، لأن الاستطاعة غير موجودة حقيقة ، إلا أن هذا مجرد خيال ، فإن كل ما وجد هو هذا الجعل القائم في عالم نفسه.
من هنا أنكرنا ما اصطلح عليه بالوجوب الفعلي ، أو بفعلية الوجوب ، إذ كل وجوب فعلي حين فعلية جعله ، وإن كان قد تحصل هناك فاعلية ومحركية عقلا لهذا الجعل عند ما يتحقق موضوعه في الخارج ، وينطبق على المكلف.
فباب المجعول ليس أكثر من باب الانطباق والانتزاع ، دون ربط بالتأثير والتأثر ، وباب الانطباق والانتزاع ثابت ، بقطع النظر عن الحكم والوجوب من قبل المولى ، فلو قيل : إنّ فلانا سيغتسل في الليلة القادمة ، لا يعني ذلك تأثير شيء متأخر في زمان متقدم. إذن فإشكال عدم معقولية الشرط المتأخر ، لا موضوع له في الموقع الثاني ، موقع عالم المجعول.
الموقع الثالث :
محذور أخذ الشرط المتأخر ، في عالم الملاك ، وتقريره أن يقال : إنّه تقدّم أن شرط الوجوب يكون له مؤثرية تكوينية في احتياج العبد إلى الفعل ، فيكون الاحتياج صفة تكوينية معلولة ، وشرط الوجوب مؤثر في هذه الصفة ، وهذا يختلف عن شرط الواجب ، الذي له مؤثرية في إشباع هذه الحاجة وتحققها ، إذن فشرط الوجوب يختلف عن شرط الواجب خطابا وملاكا ، وحينئذ إن كان شرط الوجوب مقارنا معه ، من قبيل الزوال مع وجوب صلاة الظهر ، فلا بأس به ، لأن الزوال حين صيرورته أحدث احتياجا