الغيري أمر توصلي ، لأنه لا يحتاج في مقام الخروج عن عهدته إلى أكثر من الإتيان بمتعلقه ، لأن الغرض منه إنما هو التمكين من ذي المقدمة ، والتمكين يحصل بالإتيان بذات المقدمة التي هي متعلق الأمر الغيري ، إذن فهو لا يتوقف على شيء آخر فيكون توصليا.
ومن هنا يستطرق إلى إشكال يرد على الطهارات الثلاث ، بدعوى أن الطهارات الثلاث ، رغم أنها لا إشكال في مقدّميّتها ، وكونها واجبات غيرية ، إلّا أنها لا تنطبق عليها خصائص الواجب الغيري من القربية ، وترتب الثواب عليها ، وقد قرّب هذا الإشكال بعده تقريبات :
التقريب الأول : هو أنه لا إشكال بأن الخروج عن عهدة الأمر الغيري المتعلق بالطهارات ، لا يكون إلا بالإتيان بها على وجه التعبّد والتقرب ، فلو لم يأت بها كذلك ، فهو لم يأت بما هو المطلوب ، ولم يخرج عن عهدة المقدميّة وحينئذ يقال : بأن التعبد والتقرب غير مقدور للمكلّف ، وذلك لأنه لا يمكن التقرب بالمقدمة ، بقصد الأمر الغيري المتعلق بها ، لأن الأمر الغيري غير مقرّب ، وغير مبعّد ، وغير موجب لاستحقاق الثواب والعقاب ، إذن فكيف يأتي المكلف بالطهارات على وجه قربي تعبدي ، مع أن التعبّد والتقرب يتوقفان على أمر بالفعل يكون صالحا للمقربيّة نحو المولى ، والأمر المتعلّق بالطهارات لا يصلح للتقرب به إلى المولى ، إذن فكيف تكون الطهارات قربية؟.
والجواب عليه هو : إنّ التقرب بالطهارات الثلاث ، من ناحية الأمر الغيري المتعلق بها ، وإن كان غير ممكن ، ولكن التقرب به من ناحية نفس الأمر النفسي المتعلق بذي المقدمة ممكن ، وهو المسمّى بقصد التوصل ، باعتبار أن الأمر المتعلق بذي المقدمة ، يحرّك نحو سدّ تمام أبواب العدم لذي المقدمة ، ومن جملة أبواب العدم عدم الصلاة بسبب عدم الطهارات. إذن فالأمر بذي المقدمة له محركيّة نحو الطهارات ، وهنا يمكن للمكلف الإتيان بالطهارات بلحاظ محركيّة الأمر النفسي المعلق بذي المقدمة ، وبذلك يكون