العبادية ، فإنه لا بد من قصد التقرب بالمقدمة ليتحقق الغرض الغيري المقدمي.
وكأنه وقع خلط بين توصليّة الواجب الغيري ، فإن الغرض منه هو التوصل به إلى ذي المقدمة ، وليس الغرض نفسه ، وبين التوصليّة بمعناها المقابل للتعبّديّة وقصد التقرّب.
وأمّا بالنسبة لما أشار إليه المحقق الخراساني من مدخليّة العباديّة في مقدميّة المقدمة ، فكان يغنيه عن التطويل لو قال مباشرة : إن العباديّة بنفسها دخيلة في المقدميّة.
ورغم هذا ، فإنّ بيانه غير صحيح في نفسه ، ذلك لأنّ هذا البيان ينتج كفاية الأمر الغيري وصفا ، لا غاية ، إذ أن الأمر الغيري تارة يكون مقصودا غاية بحيث يكون هو المحرّك ، وأخرى يقصد وصفا ، وإن كان الغرض والمحرّك شيئا آخر ، فتكون نيّة المكلّف هي : أنه يأتي بالوضوء الذي تعلّق به الأمر الغيري ، ولو سئل أنه لما ذا يأتي به؟ سيقول : من أجل التبرّك ، فلم يأخذ الأمر الغيري غاية ، بل أخذه وصفا لأجل أن يقصد ذاك العنوان الإجمالي ، فهذا البيان يلائم مع قصد الأمر الغيري وصفا ، كما يلائم مع قصده غاية.
مع أنه من الواضح أن قصد القربة المعتبر في الوضوء ، إنّما هو بمعنى كون المولى ، وأمر المولى ، غاية للعمل ، لا مجرّد كونه وصفا وقيدا في مقام تعنون هذا العمل.
إذن فهذا البيان لا يفيد ، وإنما المفيد هو البيان الأول ، حيث يقال : بأن العباديّة بنفسها دخيلة في مقدميّة المقدمة ، وبهذا يندفع الإشكال الثاني.
التقريب الثالث : وهو تعميق أكثر للإشكال ، حيث يسلّم بأن العبادية والقربيّة دخيلة في حاق المقدميّة ، وأنّ ماهية المقدمة عبارة عن الوضوء القربي العبادي. إذن ، فالأمر الغيري متعلق بالوضوء العبادي بما هو عبادي ، لأن الأمر الغيري إنما يتعلق بما هو مقدمة ، وما هو مقدمة إنما هو الوضوء