٣ ـ التفسير الثالث : أن يكون المقصود ، أخذ قصد التوصل في الواجب نفسه ، كما في الاحتمال الأول ، غير أنه في خصوص المقدّمات المحرّمة التي يتوقف عليها الواجب الأهم ، فهي تقع محرّمة ، إلّا إذا جيء بها بقصد التوصل ، فتكون واجبة.
وأمّا المقدّمة المباحة فهي مصداق للواجب المطلق ، وهذا المعنى سوف يقع الحديث عنه حين التعرّض لثمرة البحث في وجوب المقدمة ، إذ موضوع البحث هنا هو المعنى الأول ، وهو القول باختصاص الوجوب بالمقدمة التي يقصد بها التوصل.
وهذا الاحتمال يواجه بدوا اعتراضا ، إذ لا نكتة ولا ملاك في تقييد الواجب الغيري بقصد التوصل ، لأنّ ملاك الوجوب الغيري للمقدمة ، إمّا أن يكون حيثيّة توقّف الواجب النفسي عليها ، وهو يقتضي وجوب مطلق المقدمة ، وإمّا أن يكون حيثية حصول الواجب النفسي به ، وهو يقتضي وجوب المقدمة الموصلة بالخصوص ، فاعتبار قصد التوصل لا موجب له.
وقد حاول المحقق الأصفهاني (١) في توجيه ذلك ، بتقريب مؤلّف من مقدمتين :
أ ـ المقدمة الأولى : هي أنّ الحيثيات التعليليّة في الأحكام العقلية العملية أو النظرية ، كلها ترجع إلى كونها تقييدية ، بحيث تكون هي موضوع ذلك الحكم العقلي ، فالحكم بجواز «ضرب اليتيم للتأديب» ، موضوعه ، «الضرب» التأديبي ، والحكم باستحالة الدور للتناقض ، موضوعه استحالة التناقض ، لا الدور بما هو دور.
وعليه يكون وجوب المقدمة الثابت بحكم العقل بالملازمة ، موضوعها ، «الموصل» ، لأنه الحيثيّة التعليليّة للحكم المذكور.
__________________
(١) نهاية الدراية : الأصفهاني ج ١ ص ٣٤٧.