إلى أمور اعتبارية ، وأحكام عقلية ، لكن ليس من قبيل بحر من زئبق ، بل من قبيل التقدم والتأخر ، فإن العقل يعتبر حسن العدل وقبح الظلم رغم أنفه أحيانا ، فلو أراد أن يشعر نفسه بحسن الظلم ، لما استطاع ، وهذا معناه أن الحسن والقبح من القسم الثالث.
وبعد هذا يأتي جواب المحقق الخراساني (١) على محذور الشرط المتأخر في الموقع الثاني ، فهو يرى أن المحذور إنما يرد لو كان الملاك عبارة عن المصالح والمفاسد : فلو كان الملاك في وجوب صوم المستحاضة هو المصلحة أو شدة الإيمان ، حينئذ يرد المحذور ، لأن المصلحة من القسم الأول ، أي : من الأمور الواقعية والوجودات التكوينية في الخارج ، فيستحيل أن يؤثر فيها الشرط المتأخر عنها ، وإلّا استحكم الإشكال ، ولزم تأثير المتأخر في المتقدم ، ولكن إذا فرض أن الملاك في وجوب صوم المستحاضة إنما هو الحسن والقبح ، بناء على الحسن والقبح العقليين ، كما لو كان المولى قد أدرك حسنا في هذا الصوم وعليه أوجبه ، حينئذ يقال : إنّ الحسن والقبح حيث أنهما من القسم الثالث ، أي : من المقولات الاعتبارية العقلية التي لها جنبة واقع ، فبالإمكان أن يكون معلولا لأمر اعتباري مثله ، لأن الأمر الاعتباري من القسم الثالث يمكن أن يستند إلى أمر من سنخه اعتباري ، وهذا الأمر هو إضافة التقدم والتأخر ، والعنوان الذي ينتزعه العقل إنما هو عنوان تعقّب غسل المستحاضة لصومها ، إذن فالحسن ناشئ من عنوان انتزاعي هو عنوان القبلية الذي هو ناشئ من مقايسة العقل بين الصوم والغسل ، وهذه القبلية حاضرة لدى العقل دائما ، فلم يلزم في المقام محذور أصلا ، لأن الحسن أمر اعتباري ، وقد نشأ من أمر اعتباري مقارن له وهو عنوان القبلية. وهذا العنوان نشأ من مقايسة العقل ، إذن فدور غسل المستحاضة الليلي هو أنه أحد طرفي مقايسة العقل.
__________________
(١) كفاية الأصول : مشكيني ج ١ ص ١٤٧ ـ ١٤٨.