للملاك «المصلحة» هو الحرارة مع التمشي ، إلّا أن الطبيب لا يطلب من المريض إيجاد الحرارة في جسمه ، لأن التكاليف لا بدّ وأن تتعلق بعناوين مفهومة ، وإنما يطلب منه استعمال هذا الدواء ، فيكون بذلك قد علّق وجوبه على جزءين ليسا بدرجة واحدة ، وإنما هما بدرجتين غير متعاصرتين ، أحدهما يؤثر في علة الملاك ، والآخر جزء من علة الملاك. وهذا المثال نتعقله في صوم المستحاضة ، لأن صومها نهار السبت مشروط بغسل ليلة الأحد ، وهما جزءان غير متعاصرين زمانا ، وبالتالي منهما لا يمكن أن يشكلا مجموع العلة التامة لشيء واحد ، بحيث يكون أحدهما المقتضي ، والآخر الشرط ، لكن على ضوء ما تقدّم نستكشف في عالم الملاك : أن أحد هذين الجزءين وهو الصوم ، ليس هو المقتضي للمصلحة «الملاك» ابتداء ، بل هو مقتضي لحالة نفسانية ، وهذه الحالة النفسانية ببقائها واستمرارها حينما تقترن مع الغسل ، تؤثر في المصلحة «الملاك» فالمصلحة توجد عند الغسل في ليلة الأحد ، وليس في نهار السبت ، ولا يستشكل حينئذ ، بأنه كيف وجدت المصلحة «الملاك» في ليلة الأحد ، مع أن المقتضي وهو الصوم ، قد وجد نهار السبت وقد انقضى ، لأننا نقول : إنّ صوم نهار السبت ، ليس هو المقتضي المباشر لهذه المصلحة «الملاك وإنما هو مقتضي المقتضي من قبيل شرب الدواء المقتضي لانبعاث الحرارة ، والحرارة مع التمشّي «الشرط المتأخر» هي المقتضية للصحة «الملاك». وهنا كذلك ، فإن الصوم حين وجوده أثّر في مقتضاه ، ومقتضاه ببقائه مع الغسل أثّر في الملاك «المصلحة».
وبهذا يتبيّن أن الشرط المتأخر لا أساس له في الواجبات والتكاليف ، وإن ما يبدو فيها أنه شرط متأخر ليس متأخرا.
المقام الثالث :
من المقامات التي أشرنا إليها في بداية البحث هي : إنّ محذور تأثير المتأخر في المتقدم ، كما يرد في الشرط المتأخر ، يرد أيضا في الشرط