ب ـ المقام الثاني : في البراهين التي أقيمت على إبطال هذه المقدميّة.
أمّا المقام الأول : فيقرّب بعدة تقريبات :
التقريب الأول ، هو : إنّ مقتضى المعاندة الموجودة بين الضدين ، أن يتوقف أحدهما على عدم الآخر ، لأنّ هذا هو معنى المضادة والمعاندة في الوجود ، فلكي يوجد أحدهما لا بدّ من إعدام الآخر.
وهذا البيان بهذه الصيغة الساذجة يمكن رده ببرهان نقضي عليه ، كما في «الكفاية» (١) حيث يقال : لو كان مجرد المعاندة الثابتة بين الضدين ، تستلزم مقدميّة أحد الضدين للآخر ، لجرى الأمر نفسه في النقيضين أيضا ، حيث يقال : بأن رفع أحد النقيضين يكون مقدمة للآخر ، مع أنّ هذا مستحيل ، لأنّ رفع النقيض الآخر هو عين النقيض الآخر ، فيدور ، ويتوقف الشيء على نفسه.
ويمكن التخلّص من هذا النقض ، وذلك بأن نضيف إلى قوله في أساس الدعوى : بأنّ المضادة والمعاندة بين أمرين تستدعي كون عدم أحدهما مقدّمة
__________________
(١) في النفس ـ من عدم مانعيّة هذا الضد بعد وجود مقتضيه ـ شيء ، بعد أن عرفت سابقا كما نقل في الحكمة ، أنه بمجرد وجود المقتضي. وطبعا ، المساوي فضلا عن الغالب ، يصير لوجود المقتضى ، تقدم بالطبع. وهنا في المقام. يفرض للسواد وجود متقدم بالطبع بمجرد فرض وجود مقتضيه. والكلام نفسه يقال حينئذ في مانعيّته أن لها تقدما ووجودا بعد أن صار وجود السواد المتقدم بالطبع مقتضيا لها. إذ ليس السواد إلّا ترجمة لمقتضيه كما كانت المانعية ترجمة لمقتضيها وعليه يقال : إنّه لا يعقل فرض وجود الوساد في عرض المانعية التي ليس لها تحقق في الخارج ، إلّا في السواد المتقدم بالطبع ، والذي يرافق وجوده وجود مقتضيه. ومن هنا يظهر أن صحة هذا البرهان موقوفة على افتراض وجود مقتضيين متساويين خارجا ، وهو خلف ممانعتهما. فإذا كان ارتفاعهما محالا أيضا ، إذن فلا بدّ من وجود أحدهما ولو تخييرا أو لأقوائية أحد المقتضيين ، أو لوجود ضد ثالث لو قيل بارتفاعهما ، وبهذا يثبت البرهان ويصح ببيانه الأول.