وعلى إبطال توقف أحد الضدين على عدم الآخر :
١ ـ البرهان الأول : وهو البرهان الصحيح في إثبات هذا المدّعى ، ويقرّب ببيان أمرين :
أ ـ الأمر الأول : هو أن يفرض وجود مقتضي لكل من الضدين ، كما لو فرض وجود مقتض للسواد ، ومقتض للبياض ، ، وليس هذا بالفرض المحال ، لكون كل من المقتضيين ممكنا في نفسه ، وليس مضادا للآخر ، ولا محذور عقلي في اجتماعهما وتساويهما ، بل كانا بدرجة الاقتضاء والفاعليّة متساويين ، وحينئذ ، فإمّا أن يوجدا معا ، أو يوجد أحدهما دون الآخر ، أو يفقدا معا.
أمّا الأول : فمستحيل ، للزومه اجتماع الضدين.
وأمّا الثاني : فهو مستحيل أيضا ، لأنه ترجيح لأحد المتساويين على الآخر من دون مرجح. إذ لو جاز ذلك ، لجاز ابتداء وجود السواد بلا مقتض ، إذن فيتعيّن الثالث وهو عدم وجودهما معا.
وحينئذ يقال : بأنّ عدم وجود أحدهما ليس لعدم مقتض لوجوده ، لأنه خلاف الفرض ، كما أنه ليس مانعيّة الضد الآخر ، إذ هذا خلاف الفرض أيضا ، إذ فرض عدم وجوده ، ومانعيته للضد الآخر ، متوقفة على وجوده ، وهو لم يوجد بعد.
إذن هناك مانع آخر من وجوده ، وليس هو إلّا مقتضي الضد الآخر المزاحم لمقتضيه.
أو يقال : بأنّ الذي منع وجود السواد ، مثلا ، إنّما هو مزاحمة مقتضيه مع مقتضي البياض ، الضد الآخر ، الذي لا يقل عنه اقتضاء وتأثيرا ، والعكس أيضا صحيح.
وبهذا يتبرهن ، أنّ المقتضي لأحد الضدين ، إذا تساوى مع مقتضي الضد الآخر ، يصلح للمانعية عنه. وعليه ، نثبت بالبداهة ، أنّه يكون مانعا كذلك