الأمر ، إذن عن ما ذا يمنع هذا الضد؟ ، إذ لا يمكن المنع عن شيء قد فرغ عن عدمه.
أو فقل : إنه لا يمكن المنع عن شيء وجوده في طول عدم الممنوع ، فيكون من باب منع المعدوم أو الممنوع ، وهذا خلف ودور ، وهو مدلول عليه بنفس المدلول المطابقي لقول الخصم.
وهذا هو الشق الثاني من البرهان الثاني كما تقدّم ، وهو غير التقريبات المشهورة ، إذ فيها كان يحتاج إلى إبراز لازم لقول الخصم قبل بيان الدور ، ولكن هنا يلزم الدور من مدلول كلام الخصم المطابقي ، دون الحاجة إلى فرض لازم.
وهذا التقريب صحيح ، لكنه منوط بأن يكون مدّعى الخصم ، المقدميّة ، باعتبار المانعيّة الوجود للوجود ، وأمّا إذا كان مدّعى الخصم للمقدميّة ، باعتبار مؤثرية العدم في الوجود ، فحينئذ لا يلزم الدور بلا ضم لازم لكلام الخصم ، كما تقدّم.
ب ـ التقريب الثاني للدور : وهو يستند إلى المدلول الالتزامي لمدّعى الخصم حيث يقال : إن مقدميّة عدم السواد للبياض ، إنما هي باعتبار أن عدم السواد دخيل في تتميم قابليّة المحل للبياض ، وهذا يلزم منه ، أن يكون وجود السواد دخيلا في عدم البياض ، إذ لا تتم قابلية المحل لعدم أحد الضدين إلّا مع وجود الضد الآخر ، فالمدّعى المطابقي للخصم هو : إنّ قابليّة المحل لوجود أحد الضدين ، لا تتم إلّا مع عدم ضده ، فلو ضممنا هذا الملزوم إلى لازم ، وهو أن تكون قابليّة المحل لعدم أحد الضدين لا تتم إلّا مع وجود ضده ، فحينئذ يلزم الدور ، لأنّ السواد يتوقف على عدم البياض ، باعتبار أنّ عدم البياض يتمم قابلية المحل للسواد ، وعدم البياض يتوقف على السواد ، باعتبار أن السواد يتمم قابلية المحل لعدم البياض ، إذن فكل من عدم السواد وعدم البياض ، موقوف على الآخر في تتميم القابليّة.