وهذا التقريب مردود بإنكار الملازمة المستخرجة من مدّعى الخصم ، إذ لا يلزم من كون عدم السواد متمما لقابليّة المحل للبياض ، لا يلزم أن يكون وجود السواد متمما لقابليّة المحل لعدم البياض ، لأنّ عدم البياض لا يحتاج إلى قابليّة في المحل حتى يكون عدما ، وإنّما المحتاج إلى التهيؤ والاستعداد ، إنما هو وجود العرض لا عدمه.
وإن شئت قلت : إنه قد يتوقف قابليّة المحل للبياض على عدم شيء آخر ، ولكن عدم هذا الشيء الآخر لا يتوقف قابلية المحل له إلى وجود شيء آخر غير عدمه ، بل يكفي فيه عدم قابلية المحل لوجوده ، إذ عدم عروض العارض يكفي فيه عدم قابليّة المحل له ، ولا يتوقف على وجود ما يجعل المحل قابلا لعدمه.
ج ـ التقريب الثالث : للدور ، في كون عدم أحد الضدين مقدمة للآخر هو أن يقال : بأن الخصم يقول : بأن ترك أحد الضدين مقدمة لضده ، سواء أكانت هذه المقدميّة من باب مؤثرية العدم في الوجود ، أو من باب مؤثرية الوجود في الوجود ، وهنا عندنا قانون يقول : بأن نقيض العلة ، علة لنقيض المعلول ، فإذا كان ترك السواد علة للبياض ، فنقيض ترك السواد ـ الذي هو السواد ـ علة لنقيض ـ البياض ـ الذي هو عدم البياض ، إذن فيثبت كون وجود أحد الضدين علة لعدم الآخر ، وعدم الآخر علة لوجود هذا الأول ، وهذا دور ، لأنّه من توقف الشيء على نفسه ، فيكون محالا ، وقد نوقش هذا الدور بنقاشين :
النقاش الأول : وهو ما أشير إليه في «الكفاية» (١) ، من أنّ وجود أحد الضدين إنما يكون علة لعدم الضد الآخر باعتبار المانعيّة ، وهذا الذي يؤثر بملاك المانعيّة ، إنما يؤثر بعد تماميّة المقتضي ، بحسب المقدمة الأولى في برهان الميرزا «قده» المتقدم ، مع أن ثبوت المقتضي في المقام مستحيل ، إذ لا
__________________
(١) كفاية الأصول : مشكيني ج ١ ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨.