خامسا : يقال إنّ هذا الإشكال خلاف المدّعى المعترف به لدى القائلين بتوقف الضد على عدم الضد الآخر ، إذ إنّ القائلين بذلك إنّما يدّعونه من باب التمانع والتنافي بين نفس الضدين ، وإنّ توقف أحدهما على عدم الآخر ، إنّما هو من باب المانعيّة التي تعني أنّ وجود الضد الموجود هو العلة في عدم الضد المعدوم ، فإنّ التنافي والتضاد بين الوجودين ، لا بين وجود أحدهما ، وعدم عدم الآخر.
٨ ـ البرهان الثامن : على إبطال عدم مقدميّة أحد الضدين لوجود الآخر.
وهذا البرهان مستفاد من الجواب الثالث في مناقشة المحقق الأصفهاني لإشكال الدور ، حيث نقول :
إنّ توقف أحد الضدين على عدم الآخر مستحيل في الضدين اللذين لا ثالث لهما ، والذي يستحيل ارتفاعهما ، كما في مثل الحركة والسكون ، فإنّ حالهما حال النقيضين يستحيل ارتفاعهما ، وحينئذ نسأل : إنّ عدم أحد الضدين إذا كان علة لثبوت ضده ، فهو على وزان عدم السواد الذي هو علة للسواد ، إذ عليّة عدم الحركة للسكون مقيدة بعدم الحركة ، والمقيّد بانتفاء أحد الضدين ، لا يتحمل إمكان اللّاسكون ، بل يكون السكون ضروريا ، لأنّه في هذه المرتبة لا يبقى إمكان للوجود واللّاوجود للضد الآخر ، وإنّما يتحقق مجال للوجود إذا كان الإمكان مقيّدا بالوجوب ، وهذا برهان مستقل على إبطال المدّعى ، غايته أنّه يختص بالضدين اللّذين لا ثالث لهما.
وحينئذ يمكن تعميمه إلى بقية فروض الأضداد في المسألة ، إمّا بدعوى عدم الفرق بين السكون والحركة ، وإمّا بدعوى أنّه لو كان لهما ثالث ، ننقل الكلام إلى مجموع الضدين بلحاظ الثالث ، كما في الأزرق والأحمر والأبيض ، فإنّ مجموع العدمين للأزرق والأحمر بلحاظ الأبيض ، يكون حكمهما حكم الضدين اللذين ليس لهما ثالث ، حينئذ ، في مثل ذلك ، لا يأتي هذا البرهان ، وإنّما يكون التعميم بضم وجدانية عدم الفرق.