والحكم ، بمعنى أن يكون الأمر مركبا من طلب الفعل والنهي عن الترك ، فقد يقرّب بأن مجرد الوجوب لا يمتثل ولا يقتضي الإلزام في عالم الجعل ، إذا كان مركبا من طلب الفعل فقط ، لأنّ طلب الفعل هنا يلائم مع الاستحباب أيضا ، وإنّما يتعيّن أن يقتضي الإلزام والوجوب إذا اقترن بالنهي عن الترك.
إذن فالوجوب والإلزام مركب من جزء يشترك فيه معه الاستحباب ، وهو طلب الفعل ، وجزء يختص به ، وهو النهي عن الترك.
وهذا هو معنى متضمّن الأمر بشيء للنهي عن نقيضه.
وهذا تقريب معقول ، ولا ينبغي أن يورد عليه ما أورده السيد الخوئي ، «قده» (١) من أن الحكم في عالم الجعل أمر اعتباري ، والأمور الاعتبارية من البسائط ، وليست من المركبات ، وعليه فلا يتصوّر لها جنس ، ولا فصل.
فإنّ هذا أجنبي عن المقام ، إذ التركّب المبحوث عنه أصوليا ، لا يراد منه التركب الماهوي المبحوث عنه في الحكمة ، كي يكون الاعتبار أمرا بسيطا ، لا تتصوّر فيه الأجزاء الماهويّة ، وإنّما المراد من كون الاعتبار بسيطا ، يعني أنه بما هو هو ليس مركبا ، بينما القائل بالتركّب للوجوب ، يدّعي أنّه مركب من ناحيتين : اعتبار الفعل في ذمّة المكلّف أولا ، واعتبار المنع عن الترك ثانيا ، وهذا التركيب غير ذلك التركيب المقصود للحكماء.
نعم يمكن أن يقال : بأنّ الوجوب ليس مركبا من طلب الفعل والمنع عن الترك ، وذلك لأنّ الوجوب لو كان يتميّز عن الاستحباب بالمنع عن الترك ، ـ لو كان هكذا ـ لنقلنا الكلام إلى النهي عن الترك ، فنقول : بأنّ النهي عن الترك ، تارة يكون نهيا كراهيّا ، وأخرى يكون نهيا تحريميا ، إذن فهذا المنع المدّعى أنّه جزء من الوجوب ، أيّ منع هو؟. فإن كان الأول ، فلا يجعل الطلب وجوبيا ، وإن كان الثاني ، نسأل حينئذ ، أنه كيف صار المنع
__________________
(١) محاضرات فياض : ج ٣ ص ٤٧ ـ ٤٨.