في نفس المولى لجعل الحكم ، بحيث أنّه هو بنفسه يصبح داعيا لجعل النهي الغيري ، وهو «حرمة الترك» ، فهو غير صحيح ، لأنّه لا فائدة عمليّة من الاعتبار الثاني الغيري بعد فرض الاعتبار الأول ، بل هو لغو صرف ، لأنّه تحريم غيري ، وهو كالوجوب الغيري ، ليس موضوعا مستقلا للطاعة والداعوية ، فلا تحريك ولا زجر له.
هذا كله بلحاظ عالم الجعل والحكم والاعتبار.
وأمّا الاقتضاء ، بحسب عالم الحب والبغض ، ومبادئ الحكم من الإرادة والكراهة وغيرها ، فإنّ اقتضاء حبّ فعل لبغض ضدّه العام ، يبتني على فروض متصوّرة في تفسير الحب والبغض في النفس ، نستعرضها تباعا :
١ ـ الفرض الأول : هو أنّ حبّ فعل ، معناه مبغوضيّة تركه ، ومعنى هذا ، أننا لا نتصور حبا في العالم ، بل العالم كلّه عامل بغض ، غاية الأمر ، أن الإنسان تارة يبغض الفعل كما في شرب الخمر ، وأخرى يبغض الترك ، كما في ترك الصلاة.
وهذا الفرض معناه ، أنّ الأمر بشيء دائما هو عين بغض ضدّه العام ، بلحاظ عالم الملاك والإرادة ، أي : عالم الحب والبغض ، فهو فرض نافع لمن يقول بالعينيّة.
إلّا أن هذا الفرض بديهي البطلان ، لأنّ الوجدان قاض بوجود عاطفة الحب في الإنسان.
٢ ـ الفرض الثاني : هو أن يفرض وجود عاطفة واحدة في النفس ـ كما يفرض علماء النفس ـ وهذه العاطفة الواحدة ، إذا نسبت إلى الفعل الملائم لها ، تكون «حبا للفعل» ، وإذا نسبت إلى نقيض الفعل ، تكون بغضا ، فيزدوج الحب والبغض في عاطفة واحدة.
وهذا الفرض أيضا ، يفيد القائل بالعينيّة ، إذ سوف يكون الأمر بشيء عين النهي عن ضدّه العام.