إذن فخلاصة الجهة الثانية ممّا ينبغي أن تبحث في بحث الترتب هي : إنّ كل خطابين ، سواء أكانا متعارضين أو متنافيين أو لا ، فهما :
إمّا أن يفرض أن أحدهما لا يرفع موضوع الآخر أصلا ، كما في خطاب «صلّ» ، و «صم» ، فإنّهما خطابان لا يرفع أحدهما موضوع الآخر بوجه ، وكذا خطاب «صلّ» و «لا تصلّ» ، ، فإنّهما لا يرفع أحدهما موضوع الآخر.
وإمّا أن يفرض أن أحد الخطابين يرفع موضوع الآخر ، وعلى هذا فهو ، إمّا أن يرفعه بنفس الجعل ، وإمّا أن يرفعه بفعليّة المجعول ، وإمّا أن يرفعه بوصوله ، وإمّا أن يرفعه بتنجزه ، وإمّا أن يرفعه بامتثاله.
وعليه فلا بدّ من ذكر مثال لكل واحد من هذه الأنحاء والأقسام :
١ ـ النحو الأول : وهو أن يكون أحدهما رافعا لموضوع الآخر بنفس الجعل ، ومثاله : لو تمّت أصوله الموضوعية فقهيا ، وذلك كأنصبة الزكاة ، فمثلا ، من كان عنده عشرون من الإبل ، فإنّ فعليّة الزكاة فيها تتوقف على مرور الحول ، فلو فرض أنه بعد مرور ستة أشهر على هذا النصاب ، وجد على رأسها ما جعل هذه الإبل العشرون من نصاب آخر أكبر ، كما لو أنه وجدت خمسة إبل أخرى فصارت خمسة وعشرين ، والآن لو فرض أن بدأنا بنصاب جديد وحول جديد للخمسة وعشرين من أول الشهر السابع ، ولكن كنّا قد بدأنا سابقا بحول للعشرين ، فمعنى هذا أنّ العشرين الأولى قد دخلت في تكوين نصابين سنويين.
ومن الواضح حينئذ ، أن كلا من الزكاتين ليست فعليّة ، لا الأولى ولا الثانية ، لأنّ إحداهما تحتاج إلى ستة أشهر ، والثانية بحاجة إلى سنة حتى تصبح فعليّة ، وحيث أنه لم تمض سنة زكوية عليهما ، إذن فلا يوجد واحدة منهما فعليّة.
ولكن مع هذا توجد قاعدة فقهية مفادها : إنّ العين الزكوية الواحدة لا تدخل في نصابين في عرض واحد ، وبناء عليه ، حينئذ يمتنع دخول العشرين