القائلون بإمكان الترتب ، يقولون باجتماع الحكمين الفعليّين المنجّزين معا كما هنا ، فإنه كما أن خطاب «صلّ» فعلي ، فأيضا خطاب «أزل» فعلي ، فإذا لم يمتثل ولم يزل ، فلا يرفع أحدهما الآخر.
وأمّا إذا قلنا باستحالة الترتب ، وقلنا بأنه : لا يمكن اجتماع الأمرين بالضدين ولو ترتبا ، فإنه حينئذ لا بدّ من القول والالتزام بأن أحدهما يرفع موضوع الآخر في مرتبة سابقة على الامتثال ، لئلّا يجتمع الخطابان معا ، وهذه المرتبة هي الرابعة ، أي : كون أحد الخطابين متنجزا ، باعتبار أن المحذور عند القائل بامتناع الترتب هو لزوم تكليف العاجز الذي هو قبيح ، وتكليف بما لا يطاق بحكم العقل ، إذ حينئذ لو كلّف به المولى للزم الأمر بالضدين ، وهو تكليف بما لا يطاق.
ولكن هذا المحذور يرتفع لا محالة ، إذا فرض أنّ أحد الخطابين لم يكن منجّزا على المكلّف ، إذ حينئذ لا يلزم إحراج المكلّف ، وحينئذ لا بأس بالأمر بالضدين ، لأنه إنّما كان يستحيل الأمر بهما إذا كانا متنجزين ، وأمّا إذا كان المتنجز أحدهما دون الآخر ، فلا يلزم إحراج المكلف بذلك.
ومن هنا فالقائل بعدم الترتب لا يأخذ عدم تنجز أحد الحكمين أو تنجزه قيدا ، بل يأخذ عدم وصوله أو فعليته ، بينما الصحيح هو أن يأخذ عدم تنجز الخطاب الأهم قيدا ، وحينئذ بهذا المقدار من أخذ عدم تنجز الأهم قيدا ، يرتفع محذور استحالة الترتب ، كما أنه بذلك يرتفع موضوع الخطاب الآخر ، لأن جعل الأمر بالمهم مقيّدا بعدم تنجز الأهم ، غير ممتنع عقلا.
وعليه يكون إطلاق خطاب المهم الشامل لحالة عدم تنجز الأهم ، يكون غير ساقط ، ولهذا قلنا : بأنّ الخطابين المتزاحمين يكونان من النحو الرابع.
وصفوة القول هي : إنّه في التزاحم لا بدّ من فرض كون أحد الخطابين مقيّدا بقيد ، وهذا القيد يرتفع بالخطاب الآخر.
من هنا فإن القائل بإمكان الترتب ، يقول : بأن الخطاب «بالمهم» مقيّد