للحج ـ وقبل وجود الاستطاعة ـ يترشح منها إرادة غيرية للخطاب ، فيكون الخطاب مرادا بالإرادة الغيرية المقدّميّة ، فيصدر منه الخطاب تمهيدا لحصول المراد ، وصدور هذا الخطاب من المولى ، قبل تحقق الاستطاعة في الخارج ، إنما كان بملاك الإرادة الغيرية ، وحينئذ يقال : إنّ فعلية الإرادة الغيرية فرع فعلية الإرادة النفسية. إذن فيستكشف من فعلية الإرادة الغيرية المتعلقة بالخطاب ، إنّ الإرادة النفسية المتعلقة بالحج هي فعلية أيضا ، إذ لو لم تكن إرادة الحج فعلية بل كانت مشروطة بالاستطاعة ، إذن لما أمكن أن يترشح منها بالفعل وقبل الاستطاعة ، إرادة غيرية التي هي خطاب المولى.
وجواب هذا البرهان يكون بأحد افتراضين :
الافتراض الأول : هو أن يكون صدور الخطاب ، من قبل المريد باعتبار ملاك نفسي في نفس الخطاب لا باعتباره مقدمة لحصول المراد ، إذ الخطاب فيه حيثيتان :
إحداهما حيثية كونه ذا ملاك في نفسه.
والثانية حيثية كونه مقدمة من مقدمات وقوع الحج خارجا
وحينئذ يقال : إذا كانت إرادة المولى للخطاب التي أثّرت في صدور الخطاب منه ، إذا كانت إرادة غيرية مقدميّة ، إذن يصح البرهان ، وأمّا إذا كانت إرادة نفسيّة باعتبار مصلحة قائمة في الخطاب من أجل إشباع حالة مولوية ، أو لرعاية شئون اجتماعية أخرى ، حينئذ لا يكون صدور هذا الخطاب كاشفا عن فعلية إرادة الحج ، بل تكون لدى المولى إرادتان نفسيتان ، إحداهما : تكوينية مطلقة وهي إرادة نفس الخطاب ، والأخرى : إرادة نفسية تشريعية مشروطة ، وهي إرادة الحج ، وإحداهما لم تنشأ من الأخرى.
الافتراض الثاني : هو أنه لو سلّمنا أن الخطاب ، بما هو خطاب ، يكون خلوا من الملاك النفسي وليس هناك ملاك نفسي في تعلق إرادة استقلالية نفسية به ، وإنما كان صدور الخطاب من المولى المحض الاستطراق إلى مطلوبه