ومراده الأصلي الذي هو الحج ، فلو سلمنا ذلك نقول : لعلّ إرادة الخطاب هنا وصدوره ، يكون من قبيل المقدمات المفوتة ، وحينئذ لا يكون كاشفا عن فعلية الإرادة.
وتوضيح ذلك هو : إنّه لو فرضنا أن إرادة المولى للحج كانت مشروطة ولم تكن فعلية ، لكن المولى يعلم بأن هذا الشرط سوف يتحقق في حينه ، وأنه سوف يعجز في حين تحقق هذا الشرط عن تكليف المستطيع بالحج ، لأنه سيضطر إلى لقاء كلّ مستطيع ، وتكليفه بالحج آنذاك. وعليه إذا كان المولى كذلك ، فهو من أجل ذلك من الآن يصدر هذا الخطاب ليكون مقدمة لمطلوب لم ينجز طلبه بعد ، وهذا ما يسميه الأصوليون بالمقدمات المفوتة ، إذن فتعلق غرض المولى بهذا الخطاب ليس من باب إن إرادته للحج فعلية ، بل من باب أنه يعلم بأن إرادته للحج سوف تصبح في ظرفها فعلية ، وهو في هذا الظرف يكون عاجزا عن إصدار خطابات ، إذن فهو من الآن يصدر هذا الخطاب ، إذن فإرادة هذا الخطاب ليست إرادة غيرية محضة ، بل هي إرادة من أجل حفظ ما سوف يأتي من مراده ، إذ لا محذور بأن لا تكون للآمر إرادة بالفعل ، لكنه يأمل بأنه سوف تكون له إرادة ، ولأنه يعلم بأنه في ذلك الوقت سوف يكون عاجزا عن الإتيان بمقدمات هذا المراد ، إذن فهو من الآن يأتي بهذه المقدمات ، ولا يكون ذلك كاشفا عن فعلية الإرادة.
وبهذا يتضح أنه لا الوجدان تام ، ولا البرهان تام أيضا ، على دعوى كون الإرادة المشروطة فعليّة على الإطلاق ، وغير مرتبطة بالشرط ، وأن شرط الاستطاعة يكون مأخوذا في المراد ، لا في الإرادة ، ولا في الطلب ، بل البرهان قائم على بطلان هذه النظرية.
ومنشأ هذا البرهان على البطلان هو المشكلة المتقدمة ، ومعالجتهم لها ، حيث التفتوا هناك إلى أن الاستطاعة إذا جعلوها قيدا في المراد والمطلوب ، فيلزم ترشح الإلزام عليها من قبل المولى ، وتصير الاستطاعة للحج كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة ، فكما يترشح الإلزام على الوضوء من قبل الأمر بالصلاة ،