المقام من التقييد ، إنّما هو تقييد الأمر بالمهم بعصيان الأمر بالأهم ، ويقابله الإطلاق ، بمعنى رفض أخذ العصيان قيدا في موضوع الأمر بالمهم ، وكون العصيان غير دخيل في موضوع الأمر بالمهم ، أي : غير دخيل في موضوع الحكم ، وأحد هذين المتقابلين ، وهو الإطلاق ، مستحيل في المقام ، لأنّ عدم أخذه قيدا في موضوع الحكم ، ورفض كونه قيدا له ، معناه : إسراء الأمر بالمهم إلى حالة عدم عصيان الأمر بالأهم ، لأنّ العصيان إذا لم يكن قيدا ، فلا بدّ من أن يثبت الحكم في حال عدمه ، لأنه ليس قيدا ، إذن فيكون الأمر بالمهم ثابتا في حال عدم العصيان ، وهذا غير معقول ، إذ إنّه إذا استحال الإطلاق ، استحال التقييد بالعصيان الذي يحتاجه القائل بالترتب.
وهذا البيان غير صحيح ، ونجيب عليه نقضا وحلا :
أمّا الجواب نقضا : فباعتبار أن هذا البيان يمكن إسراؤه في كل حكم وأمر ، إذ إنّ كلّ أمر يقال فيه : بأنّه إمّا أن يكون مقيّدا بالقدرة أو مطلقا ، يعني : إنّ المولى إمّا أن يأخذ القدرة قيدا في التكليف ، وهو معنى التقييد ، أو لا يأخذ القدرة قيدا في موضوع أمره وحكمه ، وهو معنى الإطلاق ، والمفروض أن الإطلاق غير معقول ، لأن معناه شمول الحكم لغير القادر أيضا ، وهو غير معقول ، وإذا امتنع الإطلاق الذي هو أحد المتقابلين امتنع مقابله ، وهو التقييد أي : تقييد التكاليف بالقادر ، وعلى هذا الأساس ، إذن ينسد باب التشريع نهائيا ، لأنه لا يعود بالإمكان توجيه أيّ خطاب للمكلف مشروط بالقدرة ، لامتناع التقييد بسبب امتناع الإطلاق.
وأمّا الجواب حلا ، هو إنّه لو سلمنا بمسلك الميرزا «قده» بأنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد ، هو تقابل العدم والملكة ، لكن ما يستدعيه هذا التسليم هو أنه إذا امتنع التقييد امتنع الإطلاق ، لا إذا امتنع الإطلاق امتنع التقييد ، إذن فالملازمة في الامتناع تكون من طرف التقييد ، لا الإطلاق.
والنكتة في ذلك هي : إنّ الإطلاق والتقييد إذا كان تقابلهما تقابل العدم والملكة ، فالعدم هو الإطلاق ، والتقييد هو الوجود ، لأنّ الوجه في هذا التقابل