يلزم أن يترشح الإلزام على الاستطاعة من قبل الأمر بالحج وهكذا ، فعالجوا هذه المشكلة بالشكل الذي تقدّم ، بأن جعلوا الاستطاعة قيدا في الحج ، لكن بوجودها الاتفاقي ، وحينئذ قالوا : إن القيد بوجوده الاتفاقي غير الناشئ من الإرادة ، يستحيل سريان الإلزام إليه ، لأنه بمجرد الإلزام به يخرج عن كونه اتفاقيا.
إلّا أن هذا الجواب لا يكفي ، وذلك لأنه يفسر لنا كيفية عدم سريان الإلزام والتحريك المولوي إلى القيد ، باعتبار عجز المولى عن الإلزام به ، إذ بمجرد الإلزام به يخرج عن كونه اتفاقي الوجود.
وحاصل البرهان على خلاف هذه النظرية هو : إنّ فعلية الإرادة نحو المقيّد ، تقتضي فعلية الشوق نحو القيد ، أو قل : إن الشوق النفسي للحصة المقيّدة بالاستطاعة ، يقتضي أن يترشح منه شوق غيري للقيد لا محالة ، حتى لو فرض عجز المولى عن الإلزام بهذا القيد ، للزوم محذور خروجه عن كونه قيدا اتفاقيا ، ولكن هذا إنما يصحح ويبرر عجز المولى ، وعدم إلزامه لعبده بالقيد ، ولا يمكنه أن يحبس أنفاس المولى ومشاعره وأشواقه نحو القيد ، لأن من أحب المقيّد أحب قيده ، وهذه ملازمة نقبلها كما قبلنا بكون مقدمة الواجب واجبة ، إذن لا محالة من ترشّح حب فعلي غيري للقيد من الحب الفعلي للمقيّد.
هذا مع العلم أن المولى لا يحب القيد الثابت في كثير من موارد الواجب المشروط ، بسبب كون هذه القيود أفعالا محرّمة كما في إيجاب الكفارة المشروطة بإفطار شهر رمضان عمدا ، فهنا إفطار شهر رمضان عمدا يبغضه المولى ولا يحبه ، لأنه على خلاف محبوبه ، وحينئذ فلو قبلنا بأن القيود والشروط في الواجب المشروط ترجع إلى المراد لا للإرادة ، فهذا معناه أن إرادة المولى للكفارة ، إرادة فعلية ، وحبّه لها حبّ فعلي ، إذن ينبغي أن يأمرنا المولى بقيد محبوبه الذي هو إفطار شهر رمضان حتى يتحقق محبوبه ، وكون القيد ـ الإفطار ـ قد أخذ بوجوده الاتفاقي ، لا يمنع من ترشح الحب الفعلي