خارجا. وكأن المحقق العراقي (قده) أراد أن يشبع الوجدان الفطري الذي أشرنا إليه في التعليقة على النظرية الأولى ، حيث أن الوجدان الفطري لهذه المسألة يدرك بأنّ هناك ارتباطا بين نفس الإرادة وبين العطش ، لا أن العطش لا علاقة له بالإرادة أصلا ، فهو حيث أنه يعطش فيريد ، إذن فالارتباط ذاتي بينهما ، ومن هنا كانت النظرية الأولى على خلاف الفهم الفطري للمسألة إذا سلخت الإرادة عن أي شرط ، وصارت لا علاقة لها بشيء ، وجعلتها مطلقة ، حيث صار لا فرق بين إرادتنا لشرب الماء عند العطش ، وإرادتنا للتنفس فعلا ، وجعلتها فعلية مطلقة ، ولأجل هذا الارتباط الفطري والذاتي ، اعترف به ، لكن جعله بين الإرادة والوجود اللحاظي للعطش ، لا الخارجي له.
وقد برهن على ذلك : بأن الوجود الخارجي للعطش أو للاستطاعة ، لا يعقل أن يكون مؤثرا في نفس المولى ، إذ إنّ الوجود الخارجي إنما يكون مؤثرا باعتبار تصور المولى له ، ولحاظه له ، فلا يعقل أن تناط الإرادة التي هي من موجودات عالم النفس ، بأمر خارجي مباشرة ، بل لا بد من إناطتها بأمر نفسي وذهني من سنخها وعالمها وهو لحاظ الاستطاعة.
والخلاصة : هي أن النظرية الثانية ترى أن إرادة شرب الماء المنوطة بالعطش ، موجودة بوجود فعلي ، وهي إلى هنا متفقة مع النظرية الأولى ، لكن تختلف عنها في أمرين مترتبين يتفرع ثانيهما عن أولهما :
أ ـ الأمر الأول : هو أن النظرية الأولى ترى : أن إرادة شرب الماء موجودة قبل العطش بوجود فعلي ، لأنها مطلقة ، وغير مشروطة. وأمّا النظرية الثانية فإنها ترى : بأن إرادة شرب الماء موجودة بوجود فعلي ، لأنها مشروطة بشرط موجود وهو هو اللحاظ ، فيكون المشروط فعليا بفعلية شرطه ، فكلما لاحظ المولى إنسانا مستطيعا ، انقدح في نفسه شوق إلى الحج.
ب ـ الأمر الثاني : وهو الأمر المترتب على الأول ، وهو إنّ أصحاب النظرية الأولى القائلين بأن إرادة الحج فعلية قبل الاستطاعة ، كانوا يواجهون مشكلة وهي : إنّه إذا كانت هذه الإرادة فعلية قبل الاستطاعة ، إذن فلما ذا لا