تحرك نحو العطش؟. وكانوا يجيبون : بأن الشرط فيها مأخوذ بوجوده الاتفاقي. وأمّا لو سئل أصحاب النظرية الثانية بأنه : لما ذا لا تكون هذه الإرادة محركة نحو العطش؟ فإنهم يجيبون : بأنّ الإرادة هذه منوطة بلحاظ العطش وهذا اللحاظ موجود ، لكن النتائج التكوينية لهذا هو أن تكون فعلية الإرادة منوطة بفعلية العطش ، أي : بفعلية الملحوظ.
وهذه النظرية الثانية كأنها تريد أن تجاري الفهم العرفي ، وتشبع مولوية المولى ، وقد برهن أصحابها على ذلك حيث يقولون : إنّ الإرادة لا يمكن أن تكون منوطة بوجود الاستطاعة خارجا ، ذلك لأن الاستطاعة بوجودها الخارجي ، لا تكون مؤثرة في عالم النفس والذهن ابتداء ، وإنما المؤثر في عالم النفس هو الوجود الذهني واللحاظي.
وبعبارة أخرى : إن الإرادة من موجودات عالم النفس ، فلا بدّ أن يكون شرطها المؤثر فيها من عالمها ، لا من العالم الخارجي.
والتحقيق هو عدم صحة البرهان ، والنظرية نفسها.
أمّا عدم صحة البرهان : فلأن هذا البرهان قائم على افتراض أن الإرادة إمّا أن تكون منوطة بالاستطاعة بوجودها الخارجي ، وإمّا أن تكون منوطة بالاستطاعة بوجودها اللحاظي ، وإذا امتنع الأول ثبت الثاني.
وهذا البرهان غير صحيح ، إذ يوجد شق ثالث ، وهو : أن يكون المؤثر في الإرادة ، لا وجود الاستطاعة خارجا ، ولا وجودها تصورا ، بل المؤثر في الإرادة إنما هو التصديق (١). بوقوع الاستطاعة خارجا ، والتصديق أمر نفساني ذهني ، فيعقل أن تكون الإرادة منوطة به ، وعليه ، فلا يصح ما قيل في البرهان.
__________________
(١) وقد يقال بأن التصديق أعم من الوقوع الخارجي والذهني. وعليه ، فيعود الكلام من جديد فيما هو المؤثر الحقيقي في الإرادة ، مع ملاحظة كونها فعلية قبل الشرط (المقرّر).