إشكالهم فقالوا : بأنّ هذا العقاب عقاب على أمر غير مقدور ، وهو قبيح من المولى ، ولكنّ الصحيح هو أن العقاب الثاني ، إنّما هو على الجمع بين المعصيتين ، إذ الجمع بينهما مقدور للمكلف.
وبعبارة أخرى : إنّ كل واحد من العقابين ، إنّما هو على كل واحد من المعصيتين ، حيث أن كل واحدة من المعصيتين مقدورة في نفسها ، فميزان (١) العقاب كون المعصية مقدورة ، فإذا ارتكبها يعاقب عليها.
ولكن الصحيح عندنا هو أنّ الميزان في استحقاق العقاب ، هو كون المكلف قادرا على التخلّص من المعصية ، ورغم كونه كذلك يرتكبها ، فإنّه حينئذ يكون مستحقا للعقاب.
وأمّا كون الفعل والامتثال مقدورا ، فلا دخل له في العقاب ، وإنّما مقدوريّة الفعل والامتثال هي شرط في معقوليّة التكليف وعدم لغويته ، وحينئذ يقال : إن المكلف في المقام إذا لم يكن قادرا على التخلص بامتثال التكليفين معا «الأهم والمهم» ، فهو في المقام قادر على التخلص من المعصيتين ، وعدم مخالفة التكليفين ، وذلك بالإتيان بالأهم ، فيكون ممتثلا لخطابه بذلك ولا يكون عاصيا لخطاب المهم ، وذلك الانتفاء موضوعه الذي هو عصيان الأهم.
ومن الواضح أنّه لا يوجد في المقام تخلّصان من المعصية ، وكلاهما مقدور بحيث أنه لو تركهما يكون مستحقا لعقابين ، نعم يشترط في تحقق المعصية ، أن تؤدي مخالفة المكلف للتكليف المولوي إلى تفويت الملاك.
وبناء عليه ، فلو أنّ كلا من الخطابين كان فعليا من حيث ملاكه ، بحيث أن الإتيان بأحدهما لا يكون رافعا لملاك الآخر ، ومع هذا عصى كلا الخطابين ، فإن المكلّف حينئذ لا يستحق أكثر من عقاب واحد ، ذلك لأنّ هذا المكلف لم يفوّت باختياره إلّا ملاكا واحدا ، وأمّا الملاك الآخر فهو فائت عليه
__________________
(١) فوائد الأصول : الكاظمي ج ١ ص ٢١٩.