النفس في الإنسان لما يشتاق إليه ، والإحساس به ، وهذه ملاءمة لا تكون إلّا عند تحقق الشرط خارجا ، وإلّا فقبل حدوث الشرط «العطش» لا يوجد أي ملاءمة بين قواه وبين شرب الماء ، إذن لا ينقدح في نفسه شوق فعلي نحو الفعل ـ شرب الماء ـ بأي معنى للفعلية.
٢ ـ الإرادة الثانية : وهي إرادة مطلقة وفعلية قبل وجود الشرط ، أو التصديق به خارجا ، ولكن ليست هذه الإرادة هي إرادة شرب الماء ، بل هي إرادة أخرى ، مطلقة وفعلية ، وغير مشروطة ، توجد دائما إلى جنب الإرادة المشروطة ، وهذه الإرادة هي ذلك الإحساس المبهم الذي كان ينتاب العلماء بأن هناك شيئا «ما» إرادته فعلية ومطلقة.
وهذا الإحساس ، وإن كان صحيحا ومطابقا للواقع ، إلّا أن متعلّق هذه الإرادة ليس شرب الماء ـ الفعل ـ بل متعلقها هو الجامع بين شرب الماء وعدم العطش ـ الارتواء ـ فهي متعلقة بعدم تحقق المجموع من شرط الوجوب ، وعدم الواجب.
وتوضيح ذلك ، هو : إنّ من يريد شرب الماء على تقدير العطش ، يريد شيئا آخر أيضا ، وهو أن لا يتحقق المجموع المركب من العطش وعدم شرب الماء ـ أي شرط الوجوب وعدم الواجب ـ فإن هذا الاجتماع مبغوض له من أول الأمر مبغوضية فعلية لمنافرته مع قواه ، فينقدح في نفسه شوق فعلي نحو أن لا يتحقق هذا المجموع المركب ، لأن عدمه مراد له من أول الأمر بإرادة فعلية ، فهذا الشخص حتى في حال ارتوائه من الماء فعلا وعدم احتياجه إليه يكره هذه الحصة من العطش ، وهي حدوث عطش لا ماء معه ، وذلك لمنافرة ذلك مع قواه الفعلية ، وبهذا ينقدح في نفسه شوق فعلي نحو أن لا يقع عطش لا رافع له ، وهذه الإرادة الفعلية المطلقة هي غير إرادة الفعل ـ شرب الماء ـ فإن هذه الإرادة لا تبعث نحو شرب الماء ، بل تبعث نحو أن لا يتحقق هذا العطش الذي لا ماء معه ، ولهذا لو فرض أن هذا الإنسان يعلم بأنه إذا صعد إلى السطح سيعطش ، ولا يجد ماء معه ، فيكون هذا داعيا له أن لا يصعد ،