وجواب هذا التقريب ، هو : إنّه إن أريد بالآليّة معنى المرآتية على حدّ مرآتية المرآة ، كما في مثل نظر الإنسان إلى وجه في المرآة ، فهو ينظر إلى المرآة نظرا إعفائيا ، ولكن تمام نظره نحو الصورة الموجودة في المرآة حتى مع يقينه أنه إنما ينظر إلى زجاج ، فهو حينئذ إن أراد أن يحكم على ما في المرآة ، فسوف ينصبّ حكمه على المرئي ، لأنه غافل عن نفس المرآة ، فإن أريد أن المعاني الحرفية تكون هكذا ، فهذا في غير محلّه ، لأنه كثيرا ما يكون التوجه إلى المعنى الحرفي مستقلا ، وذلك كمن يسأل عن شخص فيقول : في المسجد ، فيكون التوجه هنا إلى الحالة الكائنة ، أي إلى الكون في المسجد ، والنظر إلى النسبة القائمة ما بين «زيد» وما بين كونه في «المسجد» بناء على تقدير «كائن» فهنا السؤال ليس عن «زيد» ولكن عن ربط كونه في «المسجد» ، فهذا هو محطّ نظر السائل.
وعليه ، فلم يقم برهان إذن على أن المعاني الحرفية يكون مغفولا عنها.
وإن أريد بالآليّة الوجود التبعي الاندكاكي ، وهو كون المعنى الحرفي باعتباره أمرا نسبيا ، والنسبة مندكة ذاتا ووجودا في طرفيها ، فلا يعقل أن توجد بوجود استقلالي أصلا ، لا في عالم الخارج ، ولا حتى في عالم الذهن ، حيث تخرج عن كونها نسبة ، وتصير أمرا منسوبا لا نسبة ، فالنسبة الحقيقية بالحمل الشائع ، لا يعقل أن توجد لا في الخارج ، ولا في الذهن بوجود استقلالي ، وأنما توجد مندكة دائما في غيرها ، وتبعا له ، كما برهن على هذا في بحث المعاني الحرفية.
فإن أردتم هذا المعنى من الآلية فهو صحيح ، ولكن حينئذ يصاغ الإشكال بشكل آخر فيقال :
إن المعنى الحرفي إذا كان موجودا تبعا واندكاكا ، إذن ، فلا يعقل التوجه نحوه ، لأن توجه النفس نحوه ، هو عبارة أخرى عن وجوده في النفس ، وحيث أن الإطلاق والتقييد فرع توجه النفس ، وحيث أن توجه النفس لشيء استقلالا