أو بتعبير آخر : هي دخيلة في إشباع حاجة الإنسان فعلا ، فمثلا : برودة الهواء مقدمة وجوبية للرغبة في النار ، بمعنى أن اتصاف النار بكونها ذات مصلحة ، واحتياج الإنسان إليها ، إنما يكون متى صار الشتاء ، فبرودة الهواء مقدمة وجوبية بمعنى أنها دخيلة في اتصاف النار بكونها ذات مصلحة ، وفي احتياج الإنسان إليها ، وأمّا بعد أن برد الهواء ، وأصبحت النار ذات مصلحة ، وأصبح الإنسان محتاجا إليها ، فهنا عندنا مقدمة وجودية وهي سدّ شبابيك الغرفة ، إذ لو لم تسدّ الشبابيك لم يحصل الدّفء خارجا ، ولم تشبع حاجة الإنسان خارجا ، فسدّ الشبابيك مقدمة وجودية لأنها دخيلة في إشباع هذا الاحتياج وتحققه خارجا ، وليس في أصل احتياج الإنسان إلى النار. فمحل النزاع إنما هو المقدمة الوجودية لا الوجوبية ، لوضوح أن الوجوبية بعد أخذها مفروضة الوجود في المرتبة السابقة على الحكم ، يستحيل أن يترشح الوجوب عليها من ناحية ذاك الحكم ، فموضوع النزاع هو المقدمة الوجودية ، وفي ترشح الوجوب عليها ، هذا ، من ناحية موضوع النزاع.
وأمّا من ناحية محمول النزاع : وهو الوجوب ، بمعنى أن مقدمة الواجب ، واجبة أولا؟ : فليس المراد بوجوب مقدمة الواجب اللّابدية التكوينية ، بمعنى الشيء الذي لا يمكن أن يوجد الواجب بدونه ، فإن هذا عبارة أخرى عن المقدّميّة ، أو هو عينها ، فلا معنى للنزاع في أنه لا بدّ من وجوده ، أو ليس لا بدّ من وجوده ، كما أنه ليس المراد أيضا اللّابدية العقلية ، بمعنى حكم العقل بتنجيز الإتيان بالمقدمة عليه ، وعدم صحة الاعتذار من قبل المكلف بأنه إنما ترك الواجب لكون مقدمته غير موجودة ، كما لو أراد أن يعتذر للمولى عن ترك الصلاة لكونه غير متوضئ ، فإن هذا العذر محجوج بحكم العقل ، فهذا المعنى للّابدية ليس محل الكلام ، وإن كان هذا المعنى شيئا أزيد من المقدميّة ، لكنه ليس هو محل النزاع ، لكونه محل اتفاق من الجميع ، فإن العقل بعد إن يستقل بتنجّز التكليف ، ووجوب امتثاله ، فإنه لا محالة يرى أن ترك المقدمة ليس معذّرا ، كما أنه ليس المراد من وجوب