وعقلنا عند ما يدرك صدق هذه القضايا ، إنّما يدرك صدقها وثبوتها دون أن يعوّل في ذلك على وجود العقل الأول بوجه من الوجوه.
إذن فلا محيص عن الالتزام بأنّ هذه الأعراض والمعاني ، إنما هي أمور من لوح الواقع الذي هو أوسع من لوح الوجود ، فضلا عن لوح المادة التي هي أحد قطاعات لوح الوجود.
٤ ـ القسم الرابع : العوارض الذهنيّة ، ذات الإضافة إلى شيء في الخارج ، كحبّ علي وبغض معاوية وهي كالمعقولات الثانوية في المنطق ، فهي كالقسم الأول منها ، كما عرفتها ، في كونها من عوارض النفس والصورة الذهنيّة ، ولكنها تختلف عنها في أنّ تلك العوارض تعرض على الصورة بما هي صورة ومفهوم ، فتصوّر الإنسان بما هو تصوّر ومفهوم ، يكون كليا أي : بما هو هو.
بينما هذه العوارض هنا تعرضها بما هي مرآة وفانية في الخارج ، ولذلك يكون الوجود الخارجي معروضا بالعرض لها ، ومعروضها الحقيقي والذاتي إنّما هو نفس الصورة الذهنية ، فالصورة الذهنية بالحمل الشائع هي المعروض أولا وبالذات ، وهي بالحمل الأولي معروض بالعرض ، فالعلم ، والحب ، والبغض ، وغيرها ، عوارض قائمة بالنفس وعالمها ، فهي من أقسام الكيف النفساني ، ومعروضها بالذات أيضا هو أمر قائم في عالم النفس ، وهو الصورة الذهنية القائمة في النفس ، وليس معروضها الأمر الخارجي وجدانا وبرهانا :
أمّا الوجدان : فلوضوح ثبوت هذه العوارض أحيانا في موارد لا يكون في الخارج شيء معروض لها أصلا ، كحب زيد ، مع أنّه لا وجود لزيد في الخارج ، أو كالاعتقاد بإمامة زيد وليست لزيد إمامة في الخارج ، وإنّما كان المحب أو المعتقد يتوهّم وجود زيد ، ويتوهم إمامته ، فلو كان المتعلق الحقيقي هو الخارج كما هو المدّعى ، فلا خارج هنا في المقام.