١ ـ التقريب الأول : وهو مبني على القول ، بأنّ الدلالة الالتزامية غير تابعة للدلالة المطابقيّة في الحجيّة ، وعليه يقال : بأنّ دليل «تصدّق» له دلالتان : دلالة مطابقيّة ، وهي وجوب الصدقة دائما ، ودلالة التزامية على نفي حرمة الصدقة في كل زمان. ولكن بدليل النسخ المنفصل ، سقطت الدلالة المطابقيّة عن الحجيّة ، وبقيت الدلالة الالتزاميّة على نفي الحرمة ، وحينئذ فبناء على استقلالها في الحجيّة عند المشهور ، يقال : حينئذ نتمسك بالدلالة الالتزاميّة لإثبات نفي الحرمة ، وهو الجواز.
وقد أشكل على هذا التقريب بما حاصله ، هو إنّ الدليل المنسوخ ، «أي دليل وجوب الصدقة» له أربع دلالات التزاميّة ، لا دلالة واحدة ، وهذه الدلالات الأربعة هي : دلالة التزاميّة على نفي الحرمة ، ودلالة التزاميّة على نفي الكراهة ، ودلالة التزاميّة على نفي الاستحباب ، ودلالة التزامية على نفي الإباحة بالمعنى الأخص.
وبعد نسخ الوجوب وانتفائه بالدليل الناسخ ، يقع التعارض بين هذه الدلالات الالتزاميّة الأربعة ، إذ لا يمكن التمسك بها ، أو بكل واحدة منها ، فتسقط جميعها بالمعارضة (١) ، كما أنه لا دلالة لواحد من دليلي الناسخ والمنسوخ بإحدى الدلالات ، على تعيين واحد من هذه الأحكام ، إذ لا بدّ لتعيين واحد منها من دليل آخر.
وجواب هذا الإشكال ، هو أن يقال : بأنّ الإباحة بالمعنى الأخص ليست مدلولا التزاميا لدليل الوجوب ، لأنّها ليست إلّا سلب الأحكام الاقتضائية الأربعة التي هي : الوجوب ، والحرمة ، والاستحباب ، والكراهة ، وليست الإباحة أمرا وجوديا ، إذن نفس الإباحة معناه أنّها نقيض هذه الأحكام الأربعة ، إذن فدليل الوجوب المنسوخ يدل بالمطابقة على ذلك ، وينفي الإباحة بنفسه ، إذن ليست الإباحة مدلولا التزاميا لدليل الوجوب ، إذ
__________________
(١) كفاية الأصول ـ مشكيني : ج ١ ص ٢٢٤.