وأمّا الثالث : فهو غير صحيح أيضا ، لأنّنا نرى أنّ الوجوب مدلول للّفظ لا للعقل.
وعليه ، فالصحيح إنّه لا يمكن إثبات الجواز ، لا بالمعنى الأعم ولا بالمعنى الأخص ، فيما إذا نسخ الوجوب ، لا بدليل الناسخ ، ولا بدليل المنسوخ ، إلّا إذا فرضت عناية زائدة في دليل الناسخ.
والخلاصة هي : إنّ هذه التقريبات الثلاثة المتقدمة لإثبات الجواز ، بعد نسخ الوجوب ، تمسكا تارة بالدلالة الالتزاميّة ، وأخرى بالدلالة التضمنيّة ، وثالثة بالدلالة المطابقيّة ، بدعوى أنّ الدلالة المطابقية لم تنثلم أصلا بناء على مسلك الميرزا «قده» في تفسير الوجوب والاستحباب ، تبيّن أنّه لم يتم شيء منها.
وعلى ضوء ما تقدم نعرف حال الكلام الذي ذكره المشهور في المسألة ، من كونها مبنيّة على الخلاف في مسألة فلسفيّة معروفة ، وهي إنّ الجنس هل يبقى بعد زوال الفصل ، أو إنّه يزول بزوال الفصل؟.
بمعنى أنّه إذا قيل : بأنّ الجنس يزول بزوال الفصل ، فهنا الوجوب له جنس ، وهو الجواز ، وله فصل ، وهو حيثيّة الإلزام ، أي : المنع من الترك ، فالجواز بالمعنى الأعم ، أي : «الجنس» ، يزول بزوال حيثيّة الإلزام ، التي هي المنع من الترك الذي هو «الفصل» ، إذ معه لا يثبت الجواز بدليل المنسوخ.
وأمّا إذا قلنا ببقاء الجنس ، حتى بعد زوال الفصل ، حينئذ يثبت الجنس أي : الجواز بالمعنى الأعم حتى بعد نسخ الوجوب.
ويمكن أن يستفاد من هذا الكلام في مساعدة التقريب الثاني من التقريبات الثلاثة المتقدمة ، وهو في التمسك بالمدلول التضمّني لدليل الوجوب المنسوخ ، إلّا أنّ هذه الاستفادة مبنيّة على إمكان بقاء الجنس ، ولو في ضمن فصل آخر.