وأمّا إذا لم نقل ببقاء الجنس بعد زوال الفصل ، حينئذ يكون المدلول التضمّني لدليل الوجوب المنسوخ مرتفعا ، وحينئذ لا يبقى كلام السيد الخوئي «قده» واردا كما ستعرف ، حيث أن السيد الخوئي «قده» (١) اعترض بثلاثة اعتراضات على مسألة ابتناء بقاء الجواز بعد نسخ الوجوب على المسألة الفلسفيّة المختلف فيها ، من بقاء الجنس بعد زوال الفصل وعدمه.
الاعتراض الأول : هو إنّ الوجوب والاستحباب أساسا ليس من المجعولات الشرعيّة ، بل هما حكمان اعتباريان من قبل العقل ، وإنما ينتزع العقل حيثيّة الوجوب والاستحباب من طلب المولى ، واعتباره ، حيث لا يقترن طلبه بالإذن بالترك ، وينتزع الاستحباب من اقتران طلبه بالترك ، فليس الوجوب والاستحباب مدلولين لكلام المولى ، بل يرجعان إلى حكم العقل وانتزاعه ، وأمّا المجعول من قبل المولى ، فإنّما هو نفس ذلك الاعتبار للفعل في ذمة المكلف.
وإن شئت قلت : إنّ الأحكام من الأمور الاعتبارية المحضة وهي بسائط لا جنس لها ، ولا فصل كي ترتفع بارتفاع فصلها أولا ترتفع ، إذ لا معنى لافتراض الجنس والفصل للوجوب كي يقال : بأنّ الجنس هل يزول أو لا يزول بزوال الفصل؟.
وهذا الاعتراض غير تام وذلك لوضوح أنّ الوجوب بناء على المسلك المشهور المعروف هو ، أنه بنفسه مفاد صيغة «افعل» ، وعليه فهو مجعول شرعي ، لا منتزع عقلي ، وإنّما العقل يحكم بلزوم الإطاعة بعد ثبوت الوجوب شرعا.
إذن فالوجوب والاستحباب قسمة للحكم الشرعي في المرتبة السابقة على حكم العقل ، وعليه ، فلا معنى لاعتراض السيد الخوئي «قده».
__________________
(١) محاضرات فياض : ج ٤ ـ ص ٢٣ ـ ٢٤.