وأمّا إذا بنينا على مسلك الميرزا «قده» في تفسير الوجوب والاستحباب ، وقلنا بأنّهما من تبعات حكم العقل ، حينئذ يكون من الواضح ، أنّ الوجوب بعنوانه ، وإن لم يكن مجعولا استقلاليا للشارع ، لكنه مجعول بالتّبع ، لأنّ الوجوب مركّب من جزءين : وجودي وعدمي : والجزء الوجودي هو الطلب ، والجزء العدمي : هو عدم الإذن بالمخالفة ، وكلاهما شأن المولى ، ومن مجموعهما ينتزع العقل عنوان الوجوب ، إذن حيث أنّ منشأ الانتزاع هذا مربوط بالمولى بكلا جزءيه ، إذن فيكون الوجوب مجعولا بالتّبع ، ولذلك لا إشكال ولا استهجان فيما لو ورد نص شرعي في رفع وجوب صلاة الليل ، باعتبار أنّ الالتزام والوجوب بيد الشارع. إذن فالوجوب قابل للنسخ بلحاظ كل واحد من جزءيه ، فقد ينسخ بلحاظ الجزء الوجودي ، وقد ينسخ بلحاظ الجزء العدمي ، وذلك بأن يتبدل عدم الترخيص بالترخيص ، وكلاهما نسخ للوجوب.
فنسخ الوجوب أمر عرفي ، وحينئذ بناء عليه يقال : بأنّ دليل الناسخ قد فرضنا أنّه لا يستفاد منه أكثر من نسخ الوجوب ، وهذا معناه : إنّ غاية ما يكشف عنه هذا الكلام هو رفع الجزء الثاني أي : الجزء العدمي من منشأ انتزاع الوجوب ، وهو عدم الترخيص بالترك ، أمّا الجزء الوجودي من منشأ الانتزاع ، فلا يعلم برفع اليد عنه ، وعليه ، فنتمسك بدليل المنسوخ لإثبات الجزء الأول الوجودي لمنشا انتزاع الوجوب.
نعم بناء على هذا يكون إثبات الجواز بالمدلول المطابقي للدليل المنسوخ ، كما مر عليك في التقريب الثالث ، ولا يكون إثباته بالمدلول التضمّني ، ذلك لأنّ عدم الترخيص في الترك ، ليس مدلولا للأمر ، وعليه ، فلا تكون المسألة متفرّعة على المسألة الفلسفية بلحاظ مدلول الدليل ، إذ مدلول الدليل ليس أكثر من الاعتبار عند السيد الخوئي «قده» كما عرفت.
وإن كان بلحاظ مبادئ الحكم ـ حتى لو كان محض الاعتبار ـ من الحب والإرادة والشوق ، تكون المسألة صغرى لكبرى المسألة الفلسفية ،