وعليه يقال : إن كان هذا التفسير صادقا وموافقا مع المركوز في أذهان العقلاء ووجداناتهم ، حينئذ يجب إخضاع الدليل لهذا التفسير ، وحمل ظاهر الدليل عليه ، كما هو الحال في كل ارتكاز عقلائي ، فإنّه يكون حاكما على ظاهر الدليل ، وإن لم يكن هذا التفسير على طبق المرتكزات العقلائية ، بل كان على خلافها ، حينئذ يرد ما ورد عليه ، من أنّه على خلاف المرتكز في أذهان العقلاء وبهذا يكون الإشكال ثبوتيا.
والصحيح هو أن يقال : إنّ الوجوب التخييريّ حسب التفسير الأول ، إن أريد بالاختيار فيه ، مجرّد المعرفيّة والمشيريّة ، فهو على خلاف الارتكاز العقلائيّ والعرفيّ.
وإن أريد أخذ الاختيار فيه على نحو الموضوعية ، بحيث يكون ما يختاره مصداقا لمتعلق الوجوب فهذا معناه ، التفتيش عن جامع انتزاعيّ بين الأفراد ، وحينئذ نقول : إن كان «عنوان ما يختاره» عنوانا جامعا بين البدائل على حدّ «عنوان أحدها» ، إذن فلنقل ابتداء : إن كان الوجوب التخييريّ الشرعي عبارة عن إيجاب الجامع ، فحينئذ ، لا موجب لتطويل المسافة ، وأخذ «عنوان ما يختار» ، بل يقال من أول الأمر : فليكن متعلق الوجوب والعنوان الجامع بين البدائل هو «عنوان أحدها».
النظرية الثانية : في تفسير الوجوب التخييري ، هي للمحقق الخراساني «قده» (١)
وحاصلها ، هو : إنّه يمكن إرجاع الوجوب التخييريّ في بعض الموارد إلى فرض ملاكين ومصلحتين كاملتين موجودتين ، كل منهما قائمة في أحد العدلين ، حيث يكون مقتضى الطبع حينئذ ، أن يحكم المولى بوجوب كل واحد منهما على نحو الوجوب التعيينيّ ، إلّا أنّ الذي منع من ذلك ، هو وجود التنافي بين هذين الملاكين اللّذين يراد التوصل إليهما عن طريق هذه الأفعال.
__________________
(١) كفاية الأصول ـ مشكيني : ج ١ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦.