وحينئذ يقال : إنّ البرهان يحتّم تقديم الأول على الثاني ، وذلك لأنّ دليل الخطاب الثاني في نفسه قاصر عن إثبات معنى معقول بينما دليل الخطاب الأول غير قاصر.
وتوضيحه هو : إنّ دليل الخطاب الثاني فيه أحد افتراضين ، أوّلهما : هو أن نلحظ حالة عدم امتثاله ، وثانيهما : هو أن نلحظ حالة امتثاله ، يعني : انّ دليل الخطاب الثاني مفاده : أنّ وجوب الفعل الثاني منوط بعدم وجود أمر بالخلاف ، أي : بالفعل الأول ، وعدم أمر بالخلاف لا يحصل إلّا بالاشتغال بالخلاف ، إذن فنفي الأمر الأول يكون بالاشتغال بالخلاف ، ومعنى هذا أنّ الأمر الثاني منوط بعدم نفسه ، وهو غير معقول.
ومن هنا نقول : إنّ دليل الخطاب الثاني ، إن أردتم أن تثبتوا به أمرا للثاني ، فلا يساعد عليه الدليل ، لأنّ دليل الثاني أخذ في موضوعه عدم الأمر الأول ، وهو يتوقف على عدم الاشتغال بالثاني ، وإن أردتم أن تثبتوا به أمرا بالثاني منوطا بالأمر الأول ، فهو غير معقول ، لأنّ معناه ، إناطة الأمر بالشيء بامتثال نفسه ، إذن فالدليل الثاني متعيّن السقوط ، إذ ما يكون معقولا بنفسه ، الدليل قاصر عنه ، وغير واف بإثباته ، وما يفي به الدليل ، ولا يكون قاصرا عنه ، غير معقول بنفسه إذ ينتج أنّ الأمر بالثاني هو الأمر بالثاني المنوط بالاشتغال بالثاني ، وهو غير معقول ، إذن الدليل المتكفل للخطاب الثاني ساقط ، فيتعيّن المصير إلى الخطاب الأول.
إذن ففيما إذا كان الخطاب الأول مشروطا بالقدرة بالمعنى الثاني ، وكان الخطاب الثاني مشروطا بالقدرة بالمعنى الثالث ، فإنّه يتعين تقديم الخطاب الأول.
الصورة الثانية ، التي يمكن أن نفترض فيها تقديم الخطاب الأول على الثاني مع أن كلا الخطابين يكون مشروطا بالقدرة الشرعية هي : أن نفرض أنّ كلا منهما شرط بالقدرة الشرعية بالمعنى الثالث ، وهو عدم الأمر بالخلاف ، إلّا أنّ عدم الأمر بالخلاف يكون له نحوان :