«افعل» عن أنه إنّما أتى بها بداعي البعث والتحريك ، وتكشف في «لا تفعل» عن أنّه إنّما أتى بها بداعي الزجر والردع. كل هذا صحيح في الكلمة الأولى ، فإنّ كلتا الصيغتين ، «افعل». و «لا تفعل» لهما دلالة تصوريّة ودلالة تصديقية وهما تختلفان في كلتا الدلالتين كما عرفت.
والحجة على هذا الاختلاف ، هو الوجدان الذي يقضي بأنّ ما يفهم من صيغة «افعل» يختلف عمّا يفهم من صيغة «لا تفعل» اختلافا ذاتيا ، فهما مفهومان متغايران.
وليس كما قيل ، من أنّ التغاير والاختلاف بينهما ، إنّما هو بحسب متعلقهما ، كما يدّعي قدماء الأصوليين ذلك. وهذا الوجدان له منبّهات تعزّزه نذكر أهمّها :
وهو : إنّ صيغة «افعل» وصيغة لا «تفعل» ، إذا فسّرناهما على أساس أنّ مفادهما متغاير متباين حيث كان مفاد هيئة «افعل» ، هو النسبة التحريكيّة والإرساليّة بنحو المعنى الحرفي ، وكان مفاد هيئة «لا تفعل» كذلك هو النسبة الزجرية والرّدعيّة ، إذن ، حينئذ لا نحتاج إلى افتراض شيء وراء المعنى الحرفي للهيئة ، والمعنى الاسمي للمادة ، لاقتناص مفاد الأمر والنّهي ، إذ حينئذ يكون مدلول هيئة «اشرب» هو النسبة التحريكية نحو الشرب ، ومادته الشرب. وكذلك «لا تشرب» ، يكون مفاد هيئته النسبة الزجرية عن مفاد المادة ، أي : عن الشرب. وعلى هذا ، لا نحتاج إلى ضمّ مفهوم آخر زيادة على المعنى الحرفي للهيئة ، والاسمي للمادة ، فيصير مفاد «افعل» بلحاظ هيئته ومادته هو النسبة الإرساليّة نحو الشرب ، وكذلك «لا تفعل» ، يكون مفادها بلحاظ هيئتها ومادتها النسبة الزجريّة عن الكذب مثلا.
إذن ، فالهيئة في كليهما تدل على النسبة.
والمادة فيهما أيضا تدل على طرف هذه النسبة وبذلك يتم ما أردنا.
لكن إذا أخذنا بما يقال عند القدماء من أن مفاد كلتا الصيغتين هو