المادة ، بدعوى أنها فانية في الترك الخارجي ، فقد عرفت استحالته لما مرّ من أنّ الطبيعة فانية في وجوداتها المتمثلة في أفرادها الموجودة في الخارج ، وليست الطبيعة فانية في أفرادها المعدومة.
وأمّا أخذ هذا العنصر الثالث. «الترك» ، في مدلول الدال على الهيئة ، فكذلك هو واضح البطلان ، لكونه خلاف الوضع اللغوي للهيئة ، إذ مدلول الهيئة معنى حرفي نسبي. بينما مفهوم الترك معنى اسمي وهو طرف للنسبة. وأخذ معنى اسمي في معنى حرفي ممنوع ، إذ لم نعهد أن تكون الهيئة ـ ذات المعنى الحرفي ـ دالة على النسبة وطرفها الذي هو مدلول اسمي.
ثم إنّه حتى لو تنزلنا وقلنا : بأنّ الهيئة تدل على النسبة وطرفها الذي هو مدلول اسمي ، معا ، رغم ذلك تبقى مشكلة أخرى ، وهي : إنّ العنصر الثالث ، الترك هذا ، لو دلّ على ما تدل عليه الهيئة ، فإنّه حينئذ لا بدّ له من نسبة إلى الطبيعة.
أو فقل : إنّه حتى لو تنزّلنا وقلنا : بأن الهيئة تدل على النسبة وطرفها الذي هو مدلول اسمي ، فإنّه رغم ذلك يحتاج الى نسبة أخرى بين الترك ـ المعنى الاسمي المدلول عليها بالهيئة ـ وبين المادة وهي الطبيعة ، وهذه النسبة هي نسبة الإضافة لأنّ المطلوب هو ترك المادة ، لا مطلق الترك ، والمفروض أنّه لا دال على هذه النسبة الثانية فتحتاج إلى دال آخر ، فإن كان هو الهيئة ، إذن فخرج «الترك» عن كونه دالا على النسبة ، وإن كان مفهوم اسمي آخر هو الدال على النسبة ، فكذلك ننقل الكلام إليه وندخله في مدلول الهيئة من جديد ، وهكذا نعيد ما قلناه حتى يتسلسل.
إذن فهذه النظرية لمفاد صيغة النهي باطلة ، وبهذا تمّ الكلام في صيغة «لا تفعل».
الجهة الثانية :
هي أنه هل يستفاد من صيغة النهي الانحلال وتعدّد الحكم ، بحيث